حينما يبكي الرجل!!
يلجأ أصحاب الحاجات دائماً إلى المساجد لعرض مشاكلهم في سبيل إيجاد حل لها من قبل المصلين، لأن المسجد أساساً مجتمع متكامل فيه التكافل والتعاطف والمحبة، نادراً ما لا يجد الشخص حلاً لمشكلته الآنية إذا كانت متعلقة بظرف اقتصادي طارئ.. وطالما المؤمنون إخوة والمسلم أخو المسلم فالحل يأتي دائماً سريعاً من خلال جمع المال لصاحب الحاجة.. عقب صلاة (الجمعة) الماضية بمسجد الحارة التاسعة الثورة، وبعد أن فرغ الإمام من أداء الصلاة وقف رجل في نهاية العقد السادس من عمره أو السابع وقف وبدأ في طرح مشكلة ابنته التي اتهمت بمرض عضال فذهب بها إلى جمهورية مصر العربية وأمضى بها عدة أشهر إلا أن الأطباء طمأنوه بعدم وجود هذا المرض وعاد بها إلى أرض الوطن متفائلاً بسلامتها ولكن ربما لم يكن التشخيص دقيقاً فساءت حالة البنت والحديث بلسان والدها هذا الرجل الذي فقد أعصابه وبدأ يبكي بكاء مراً وهو يتحدث عن طفلته التي عجز عن توفير عربة إسعاف لنقلها إلى المستشفى. خيم الصمت على المصلين بالمسجد فحديث الرجل مؤثر وبكاء الرجل مر ولا يبكي الرجل إلا إذا وصل إلى ما وصل إليه هذا الرجل من يأس ليس من رحمة المولى ولكن يأس من هذه الحياة التي جعلته يقف هذا الموقف العصيب وهو يطرح مشكلته أمام الملأ والدموع تقطر من عينيه وصوته يكاد يصل إلى خارج المسجد.
لقد كان الموقف مؤثراً بجد وهز المشاعر ولم يمسك الناس أعصابهم وهم يسمعون إلى تلك الرواية الحزينة وكأنما البنت قد وضعت أمامهم وقد اضمحل جسدها وأصبح لونه كما وصفه والدها بالأسود.
تدافع المصلون صغاراً وكباراً نحو الرجل يقدمون ما يملكون عسى ولعل أن يخفف من آلامه ومعاناته رغم أن المال لن يفيد في تلك اللحظات، ولكن من الأفضل أن يطلب من المصلين أن يدعوا لها لأن رحمة الله واسعة، فالدعاء في تلك اللحظة مقبول أكثر من المال.. ولكن الإنسان خلق هلوعاً فلم يفكر في تلك اللحظة إلا عن كيفية الحصول على حفنة من المال عسى ولعل أن يجد طبيباً يكتب الشفاء على يده لها.
لقد عانى المواطن كثيراً من ناحية التطبيب وتحدثنا كثيراً عن التشخيص وعن الأخطاء الطبية فإذا شخصت حالة تلك البنت بصورة صحيحة لما فقد هذا الرجل كل ما يملك خلال ثمانية أشهر كما قال، ثم أظلمت الدنيا من بعد ذلك في وجهه، وطفلته لم تشف من مرضها، فأخيراً لجأ إلى المسجد طالباً يد العون والمساعدة.. لقد أصبحت تكلفة العلاج باهظة ولا أحد بمفرده يستطيع أن يقف في مواجهة الأمراض المستعصية والدولة رفعت يدها تماماً عن الصحة وحتى التأمين الصحي أحياناً لا يساعد في حل مشاكل المرضى بحجة أن هناك أدوية غير متوفرة لدى التأمين الصحي.. في كل الدنيا الإنسان لا يشيل هماً إذا مرض ولا يشيل هماً عند التعليم ولا ندري لماذا تراجعنا نحن ووصلنا إلى هذه الحالة بعد أن كانت المستشفيات تعالج المرضى مجاناً والمدارس تدرس مجاناً وأهل الإنقاذ حينما جاءوا قالوا جئنا لننقذ الشعب.