الصحافة السودانية.. هل مهنة تشرف؟!
سعدت أيما سعادة وأنا أمتع عيني بمقال الأستاذة “آمال عباس العجب” وهي تعود إلى مكانها الطبيعي بأخيرة الصحافة. سعادتي ليست للأستاذة “آمال” فقط ولكن احتراماً لهذه الأقلام النزيهة والمعتقة والتي بدأنا نفقدها تماماً في سوق الصحافة بعد أن أصبحت الصحافة طاردة لمثل تلك الأقلام بسبب قلة المرتبات وما يجده الصحفي من مضايقات.
الأستاذة “آمال عباس” ينبغي أن يفخر بها كل صحفي وكل صحفية.. فهي صحيفة مكتملة وتعد أول رئيس تحرير تتبوأ منصب الرئيس، في العالم الخارجي تجد أمثال “آمال عباس” وغيرها من الكُتاب تُفرد لهم أماكن خاصة بالدور الصحفية كما هو الآن في الصحف المصرية (الأهرام) و(الأخبار) و(الجمهورية)، هؤلاء يحتفلون بكُتابهم ويهيئون لهم المكان الذي يليق بهم ليقدموا الإبداع في مجال الصحافة.
الصحافة اليوم أصبحت مهنة من لا مهنة له، وأصبحت وسيلة للتسلق ولمآرب أخرى.. فالصحفي الذي بدأ من القاع أو من بداية السلم الآن غير موجود، الآن الصحافة أصبحت (شلليات)، و(شيلني وأشيلك)، عدد من الصحفيين تم نفخهم ولا يحلمون بأن يصلوا إلى المواقع الرفيعة التي هم عليها الآن.
فالصحافة مسؤولية وعلم وخبرة، وهي مرآة لهذا الشعب تقدم له كل ما يفيد وينفع، ولكن إذا نظرنا إلى حالنا الصحفي وإلى صحافتنا اليوم معظمها يعتمد على الجريمة، وبعيدة كل البعد عن التحليل العميق، ولا يوجد صحفيون بالساحة الآن يمكن أن نقول هؤلاء أشبه بالبروفيسور “علي شمو” أو “حسن ساتي” رحمة الله عليه ولا حتى مثل عمنا “الريفي” ولا “محمد الحسن أحمد”، ذاك جيل كان عصامياً مهمته القراءة والإطلاع والبحث والتنقيب، وإذا نظرنا إلى الجيل القديم الذي يملأ العين الآن يفضل أستاذنا الكبير أمد الله في أيامه الأستاذ “محجوب محمد صالح”، فهو من القامات الصحفية التي نفاخر ونفتخر بها.. فقد أهل نفسه تماماً وقدم عملاً صحفياً رزيناً، ولكن أنظروا إلى صحيفته الآن فهو قمة صحفية ولكن صحيفته أصبحت في القاع رغم تخريجها لعدد كبير من جيل الصحفيين، منهم من هو موجود الآن على الساحة، ومنهم من يقدم العطاء في الصحافة العربية أو الأجنبية.
إن الصحافة السودانية يرثى لها وما آلت إليه من ضعف في كل شيء، فإذا جاء وفد صحفي على مستوى عالٍ فلن نجد من يشرف الصحافة السودانية بالجلوس معه.. الصحفيون الآن يمارسون المهنة من أجل أكل العيش، فالمهمة ضعيفة وإذا بحثت عنهم تجدهم دائماً في ظلال الأشجار ومع (ستات الشاي)، فالثماني ساعات التي من المفترض أن يقضيها الصحفي داخل مؤسسته يقدم الخبر والتقرير والحوار والتحقيق تجد قل هم الذين يعملون، أما البقية يمنون النفس بالسفر مع هذا أو المسؤول ذاك والغرض معروف.. الصحفي السوداني يريد أن تأتيه الأخبار وهو جالس في مكتبه والمسؤول الذي يريد محاورته أن يأتيه إلى باب الصحيفة وكتابة التقارير فطيرة والصحفيون السودانيون لا يقرأون ومن يقرأ منهم فهم قلة من بين تلك الآلاف المسجلة في النقابة، لا بد أن نعيد وضع الصحافة السودانية من جديد، ولا بد أن نشرك من هم أفيد وأنفع لهذه المهنة بدلاً عن أولئك الذين فضحونا باسم الصحافة والصحفيين.