ولنا رأي

(ود نوباوي) التي عرفتها.. (26)

مدينة (ود نوباوي) يتمتع أهلها بعلاقات اجتماعية واسعة، وحسب ما ذكرنا في الحلقة السابقة فإن معظم سكانها من الدناقلة جاءوا مع “المهدي” وأسسوا تلك المدينة الهادئة، ولم يبخلوا في استقبال كل من وفد إليها، بل انصهروا جميعاً في بوتقة واحدة اسمها السودان.. فكان الشيخ العابد الزاهد الشيخ “قريب الله” بحيرانه وأبنائه ومريديه، عاشوا وتعايشوا مع الأنصار بتلك المدينة يقيمون الذكر آناء الليل وأطراف النهار.. لا أحد احتج على ممارستهم لشعائرهم الدينية بالطريقة التي يرغبون بها، كما يمارس الأنصار شعائرهم أيضاً بالطريقة التي يرونها.. يقرأون الراتب عقب صلاة العصر إلى ما يقرب المغرب، ويقرأونه بعد صلاة الصبح بأصوات حلوة وندية، منها صوت الشيخ “عبد الله إسحق” رحمة الله عليه، و”ود النعيمة” رحمة الله عليه و”عبد المحمود أبو” و”آدم” الذين حباهم المولى عزّ وجلّ بأصوات جميلة، بل هناك أطفال وفدوا من مناطق السودان المختلفة واتخذوا من مسجد السيد “عبد الرحمن المهدي” بـ(ود نوباوي) شارع (الدومة) سكناً ومدرسة، يتعلمون فيه القرآن والتجويد والحديث، بل الكثير منهم حفظوا الراتب عن ظهر قلب يتلونه في الأتراح حينما يطلب منهم.
وأهل (ود نوباوي) لم يتعصبوا لقبيلة ولا لفئة معينة، كل من سكنها أصبح من أهلها، ولم يجبروا أحداً على اعتناق الأنصارية، بل هم متسامحون مع أنفسهم والآخرين.. سكنها مولانا “دفع الله الحاج يوسف” وزير التربية ورئيس القضاء الأسبق وواحد من قيادات الإخوان المسلمين، تعايش مع الأنصار وأهل (ود نوباوي) وتشرب بخصال أهل أم درمان الكرم والجود، وأصبح داره منتدى يعج بأهل القانون والصحافة والسياسة وأهل المجتمع كل جمعة.. بابه مفتوح لاستقبال كل وافد إليه في هذا اليوم، وقد أصبحت الجمعة وفطور الجمعة عند مولانا “دفع الله الحاج يوسف” علامة مميزة بمنطقة (ود نوباوي).
سكن (ود نوباوي) أهلنا الأقباط، وهم في تعايش تام.. ومن قبلهم كانت المنطقة قبلة لأهلنا اليمانية أي الوافدين من اليمن السعيد وكانت (كناتينهم) مميزة بالحي فكان “حزام” و”ناصر” وغيرهم ممن أحب وعشق هذا الحي.
من البيوت التي لا يوجد بها باب بيت الوالد رحمة الله عليه الأمير “عبد الله عبد الرحمن نقد الله” الذي شغل منصب وزير الداخلية إن لم تخني الذاكرة وواحد من القيادات الأنصارية المشهود لها، وقد عاش فقيراً ومات فقيراً وما زال منزله بالحي متواضعاً لم تدخله أية لمسة جمالية كما حدث في كثير من البيوت.. وسار على دربه الأمير “عبد الرحمن نقد الله” الخطيب المفوه والأديب الورع الذي لاقى ما لاقى من سهام الأخ “حسين خوجلي” إبان الديمقراطية الثالثة، لكنه كان يقابلها بمزيد من الديمقراطية.. لم يتصد لأحد ولم يشتم أحداً.. عاش عفيفاً نظيفاً حتى أصابه المرض بسبب الضغوط السياسية التي تحملها في جلد وصبر شديد، وما زال طريح الفراش ساكناً لا يتحرك.. نسأل الله أن يشفيه وأن يخفف عنه ما أصابه من مرض، وأن يكون كفارة له.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية