الشيوعي في أديس..!!
أتمنى وآمل أن تكون مفاوضات المنطقتين آخر منشط حكومي تسعى فيه للتواصل مع أحدهم وجماعته من أجل إقامة مشروع للسلام.. على الدولة منذ الآن وصاعداً تجنب هذه الأمور، وعليها تحقيق السلام بوسائل أخرى غير ما نشهد الآن في أديس أبابا.. الحكومة لا تفاوض أهل المنطقتين، من نراهم الآن في ردهات القاعات وأمام شاشات التلفزة وفي أجنحة الفندق البهي الجوانب لا يعرفون شيئاً عن جبال النوبة والنيل الأزرق.. لقد حضر ممثلون كومبارس عن تلك المناطق في صفوف التمرد.. هؤلاء يقدمون إلى اللقاءات المباشرة، أما في المناسبات الأخرى تحتل الجبهة الثورية والحزب الشيوعي المقاعد والمجالس.
واضح لكل ذي عقل أن العملية التفاوضية الحالية تدخلها الحركة الشعبية مثل كل مرة بسياسة تطفيش الكرة، والمراوغة وادعاء عدم الإدراك، يحدث هذا رغم أنه وبالمعايير العادية المعتادة الموقف العسكري للمتمردين في أضعف حالاته، وكذا السياسي، ولم يعد لقطاع الشمال جمهور أو مناصرون بالداخل.. وبالتالي يتساوى “عرمان” في واقع الأمر مع أي ممن يظنون أنهم يملكون أحزاباً جماهيرية وهي في الحقيقة غير ذلك، ولهذا بت أؤمن كثيراً بأن من يتحدثون عن ضلوع “عرمان” في مخطط لتدمير السودان لا يبالغون أو يأتون بحديث خرافة.. وما شهدناه من تعسف وسوء تقدير لأحوال أهل المنطقتين من جانب المتمردين يعزز عندي أقوال إن القضية برمتها إنما هي شيء مختطف بواسطة ثلة من أصحاب المصالح الخاصة والساعين إلى أمجادهم الخاصة مالية كانت أم سياسية.
الحركة الشعبية أسفرت عن وجهها تماماً في الجولة الحالية، ويبدو أن قطاع الشمال هو الجناح العسكري للحزب الشيوعي (ما تقولو بالغت)، لكن من نراهم الآن في دور الاستشارة والنصح والإسناد شيوعيون بالإشهار والتقية، ويتولون أمر هذه الجولة بقدر من التركيز والحضور المباشر بقدر تظن معه أن الأمر لا يتعلق بالنيل الأزرق والجبال، وإنما هو ليلة (كادر) نظمها الحزب بفرعية وسط الخرطوم.. لقد اختفى أبناء المناطق التي يدور حولها وبشأنها الحوار والتفاوض، “جقود” و”نيرون” وغيرهما مجرد أشخاص يرتدون بدل زرقاء يضعون نظارات سميكة يوحون لمن يراهم بالأهمية والاهتمام، لكنهم لا يتقدمون “عرمان” أو يخلفون له وعداً ولو كان الثمن معاناة أهلهم، وتحول مواقع الحرب إلى بلدات مدمرة المباني والمعاني، حيث لا تنال فرصة للنهوض والنجاة من لعنة الحرب.
إن هؤلاء لن يأتي سلام من قبلهم.. واضح أن حملة السلاح في هذا البلد أنفار مرتهنون إلى غيرهم، القرار ليس لديهم والموقف لا يتحدد منهم وإنما يتم جعلهم كدوارة الريح حيثما مالت مالوا.. هذه هي الحقيقة بدون رتوش دبلوماسية وعبارات ناعمة، ولهذا فعلى الحكومة أن تنهض إلى حوارها الوطني وأن تعد جيشها لجهاد كبير وشاق، لأن ما يجرى ببساطة.. إهدار وقت.