ماذا بعد؟!

اعترافات صغيرة !

لم أقل شيئاً بعد.. ما زال عندي الكثير الذي أحتفظ به.. ذكريات مدهشة.. أسرار خطيرة.. وبعض الأوراق الملونة التي خبأت بين سطورها اعترافاتي الصغيرة.. قصتنا أيتها الرائعة.. عذاباتنا حين قررنا العودة وتركنا المهاجر خلف ظهورنا.. جئنا نحمل وردة الأمل فلم نجد بستاناً مورقاً نغرس فيه أو سماء صافية نرى فيها وجوهنا.. الجدب من حولنا يجترح خطونا والنهر ينضب كل يوم.. والأكف المرفوعة تدمن الدعاء.. وانتظار بعض الممكن.
لم أقل شيئاً بعد.. عن ذاك الملياردير الذي كشف لي كيف أنه بدأ حياته ببيع بضاعته مفروشة على الأرض.. عن تلك السياسية الشهيرة التي بكت ذات مرة أمامي وهي تعترف بأنها دفعت ثمن صعودها إلى عرش السلطة بوضع قناع بطولة مفتعلة واستقواء مصطنع.. قالت لي من يهابونها لا يعرفون كم هي رقيقة كما النسمة تكاد ترتعش حينما تكون وحدها من ظلمة عابرة.. شكت لي وحدتها وبحثها الخجول عن رجل يقاسمها شتاء البيت الفخيم المطوق بالحراس والأسوار العالية ..هل كان علىّ حينها أن أفهم تلميحاتها على النحو الذي تجلى لي الآن بعد أكثر من عشر سنوات كاملة.. ياااه أين أنت الآن أيتها المرأة الحديدية.
لم أقل شيئاً بعد.. عن المسؤول الكبير الذي ظل يوهمني بأنه الأنموذج المفقود بين رصفائه والأكثر تفانياً في خدمة الوطن ..إلى أن دعاني ذات مرة إلى قصره المنيف في الحي الراقي وهو الذي قدّم من ريف يتضوع جوعاً وفقراً ومسغبة .. حين ودعته قرأ في عيني عبارة : من أين لك هذا ؟ فقطع صلته بي.. ويوم دعوته لحلقة تلفازية تحتفي بالصراحة والاعتراف اعتذر بدهاء.. زاعماً انه لا يحب الأضواء ويفضل أن يعمل في صمت.
لم أقل شيئاً بعد.. عن السياسي المرموق الذي يمارس الوصايا المجانية بشكلٍ يومي راتب.. والبقية يعرفها راعي الضان على الحدود البعيدة .. رغم كل شيء ازداد كل يوم إعجاباً بمهارته الفائقة في وضع الأقنعة الأنيقة والدفاع عن أفكاره التي لا يؤمن بها .
لدىّ الكثير عن تلك السفارة التي حاولت مغازلتي كآخرين غيري بتقديم الدعوات المجانية والإكراميات إلى حد الاغواء فلم تمهلني الفكرة كي أطرق بابها مرة واحدة وظللت أتحجج بالمشغوليات والارتباطات إلى أن أرسل لي أحدهم: (شكلك ما بتحبنا).. فلم أرد إلى أن سافرت إلى عاصمتهم الجميلة وهناك عرفت سر عبوس كل من التقيتهم فساورني الشك وبعض الخوف إلى أن عدت سالماً.
لم أقل شيئاً بعد.. عن ستة عشر عاماً في الغربة بالخليج.. عن العمانيين الطيبين وأبوابهم وقلوبهم المفتوحة وسنوات الشباب التي تفتقت ينابيعها واخضرت غصونها عطاء صادقاً ونبيلاً جعلهم يستشعرون أن هذا القادم ما جاء حاصداً لثمرهم وانما مشاركاً بالزرع.. أخجلوني بتواضعهم ومحبتهم ونمت صداقات وثقات وكان التكريم الذي وشح كل الجبين .. كانت عمان وطنا حين عز علينا الوطن.. وأهلاً حين تباعدت مسافات الأهل.. وأصدقاء عندما بعثرتنا المطارات واحتضنتنا المهاجر.
أما الأسرار الخطيرة فمكانها الكتب وربما الروايات.. أو تلك القصائد التي تقرأ ليلاً حين يكابر بعضهم بانه يملك كل الحقيقة أو ينكر ان لديه حساب خاص في البنوك أو حتى (الفيسبوك).
عن (الواتساب) ورسائل الليل والآهات والحنين.. عن اللاتى يبحثن في بياض الشاشة عن وجه بقسمات ليست ككل القسمات.. عن عتمة لاعتراف ضئيل لن يسمع عنه أحد.. وثرثرة حول أناس مليئين بالجدل والتناقض.. وكل الغيبة التي لم تعلن عن نفسها بعد!!
عن.. وعن.. وعن.. الكثير الذي لم نقله بعد!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية