مرضى التنميط النوعي .. حيرة الأصل والصورة!!
رغم ارتفاع درجة الوعي لدى الكثيرين منا حول مرضى (التنميط النوعي) في السودان، إلا أن هناك من وضع على الموضوع خطاً أحمر وسياجاً من السرية لا يجوز تعديه أو الخوض فيه، فيما عده البعض ضرباً من الخيال، أو قصة من قصص ألف ليلة وليلة.. وهؤلاء البعض لا يخطر ببالهم أو يضعون في حسبانهم أن الأمر ما هو إلا خلل جيني ساهمت فيه عوامل عدة، تأتي في مقدمتها (القابلة) التي يختلط عليها تصنيف النوع، نتيجة لتشوه العضو التناسلي، فتعتقد أن الذكر أنثى، وتتسبب في تركه يعيش في جلبابها لأكثر من ثلاثين عاماً، يختلط بالإناث ويتعايش معهم بنوازعه الذكورية.. وكذا الحال بالنسبة للأنثى!!
(المجهر) وقفت على عدد من القصص والحالات التي قام أفرادها بتصحيح جنسهم والعودة إلى أصولهم الذكورية.. وبحسب الجمعية السودانية للتنميط النوعي، فإن هناك حوالى (400) حالة مسجلة حتى الآن، مع وجود حالات رفضت التصحيح خوفاً من سياط المجتمع اللاذعة!!
} طمث الرجال!!
كيف يكون الحال عندما يعاني الرجل من أعراض الطمث؟!
ربما بدا السؤال غريباً بعض الشيء، ولكن الأمر برمته كان أكثر غرابة بالنسبة لهذا الرجل الذي واجه الألم الرهيب، المصحوب بدم مختلط بالبول في أوقات معينة!!
لم يخطر ببال (…) للحظة واحدة، أن ما يعانيه هو تلك الحالة شبه المرضية المعنية بها السيدات!! وكيف يخطر بباله هذا الخاطر وهو الرجل القوي البنية الذي يعمل في حمل الأمتعة والبضائع داخل السوق، بل وإمعاناً في إظهار رجولته وقوته كان يتسلح دائماً بسكين يزين بها ضراعه!! وعندما تكرر المصاب لم يتوان (…) في الذهاب إلى اختصاصي المسالك البولية ليريحه من الأوجاع التي تداهمه كل شهر، ويبت في أصلها، إذ كان يعتقد أنه مصاب بالتهاب حاد في البول أو غيره من أمراض الذكورة الأخرى.. لكن ما أظهرته الموجات الصوتية، كان خلاف ما تعتمل به خواطر (…) الذكورية.. إذ صارحته (الجمعية السودانية للتنميط النوعي) – وفقاً للموجات الصوتية – بأن أحشاءه تتضمن (رحماً) وما يعانيه ما هو إلا أعراض الدورة الشهرية!!
حينها لم يستطع (…) تدارك نفسه من هول وقع الخبر الصادم عليه، إذ كان من العسير عليه أن يتقبل أنه (خنثى أنثوي كاذب) ويجب عليه تصحيح جنسه!! لكنه – رغم الصدمة الفاجعة – فضّل العيش على ذكورته (الكاذبة) لاعتبارات كثيرة، أولها أنه يعول أسرة كاملة تتطلب إعانته وحمايته كرجل، مفضلاً احتمال آلامه الشهرية دون الإفصاح عن هويته الجنسية الحقيقية خوفاً من المجتمع!!
} ما خفي أعظم!!
وهناك الكثير من حالات الخنثى في السودان لم تستطع الوصول إلى مقر جمعية التنميط النوعي، لتصحيح جنسها، خوفاً من المجتمع.. وبحسب رئيس الجمعية في السودان أستاذ جراحة المسالك البولية البروفيسور “عماد محمد فضل المولى”، فإن الحالات التي أتت إلى الجمعية كانت (قمة جبل الجليد)، وما خفي كان أعظم – على حد تعبيره – مؤكداً أن نسبة القبول لتصحيح الجنس من أنثى إلى ذكر تعتبر الأعلى، مقارنة بالتحول من ذكر إلى أنثى، فضلاً عن بعض الحالات التي لا يستطيع أصحابها تصحيح نوعهم إلى ذكور، بحسب حالتهم، خوفاً من المجتمع، حيث أن شخصيتهم الجديدة لا يستطيعون مواجهة المجتمع بها.
} مشكلة مجتمعية
إلى ذلك اعتبر بروفيسور “عماد” أن الخوف من المجتمع يشكل هاجساً لدى الكثيرين، وأن بعض الأسر تتخذ موقفاً سلبياً تجاه عملية التصحيح، بدافع الخوف من المجتمع وأسئلته الحيرى وتدخلاته العقيمة، فيضربون صفحاً عن هذا الموضوع بالغ الأهمية، فقط إرضاءً للمجتمع.
ونبه البروف إلى عدم الخلط بين تصحيح الجنس والتحول الجنسي، إذ أن البعض يشتكل عليه الأمر فيمزج بينهما، دون التأكد.. في حين أن الأول ما هو إلا خلل جيني أدى لتشوه الأعضاء التناسلية، بينما الثاني خلل سلوكي يعاني منه الفرد الذي يرغب في تغيير خلق الله كما يحلو له ويشاء.
} وضع مأساوي
معظم حالات تصحيح الجنس التي سجلتها ملفات (جمعية التنميط النوعي) في السودان يمكن وصفها بالمأساوية، وقد لعب ختان الإناث دوراً سالباً فيها للدرجة التي حولت حياة البعض إلى جحيم، بسبب الاشتباه في العضو الذكري وتصنيفه على أنه بظر كبير الحجم، ثم بتره، ويظل الذكر بعد ذلك حبيس أنثاه سنين عددا.
وأكد بروفيسور “عماد فضل” أن أغلب الحالات التي حضرت للجمعية مارس ذووها ختاناً في حقهم، هو الأعنف من نوعه، حيث يتم بتر العضو والشفرين وإخاطتهما، دون الاكتراث إلى أن مشاكل الطفل تبدأ عادة بعد البلوغ، عندما يلاحظ الأهل أن من اعتبروها أنثى بلا ثديين وبلا دورة شهرية.. وعندها فقط تبدأ الضحية في التساؤل عن حقيقة جنسها، ومن ثم طرق أبواب الجمعية التي تشير إحصائياتها إلى أن هناك حوالى (41%) من المرضى الذين يأتون إليها أعمارهم فوق الـ (17) عاماً، وهذه النسبة تدل على أن الختان تمكن من إخفاء معالم الهوية الجنسية الحقيقية.
كما تشير الإحصاءات أن هناك ما يقارب الـ (10%) من المرضى تفوق أعمارهم العامين.. وهناك حوالى (7%) تتراوح أعمارهم ما بين ست إلى تسع سنوات و(9%) من المرضى هم من سن (10 – 16) سنة.
} قراءة في النسب
تتعدد الأسباب وتظل (جمعية التنميط النوعي) هي القاسم المشترك بين المرضى الذين تمتد رحلتهم بين الأطباء بحثاً عن العلاج، إلى أن يحط بهم المقام داخل الجمعية.. كل يحكي عن آلامه وأوجاعه والأسباب التي جاء من أجلها.. وقد طرق الكثيرون طرقوا باب الجمعية عندما شعروا بأن أعضاءهم التناسلية غير طبيعية، وهؤلاء بلغت نسبتهم حوالى (51%)، تليها نسبة (31%) وتشمل اللائي حضرن بدافع عدم نزول الدورة الشهرية.. إضافة إلى أن هناك (3%) من (الخنثى)، حدث اشتباه في معرفة هويتهم الجنسية بسبب قصر قامتهم، فكانت الجمعية ملجأهم.. وهناك أيضاً ما يقارب الـ (6%) تم تحويلهم منذ الطفولة، وهؤلاء رغم ضآلة نسبتهم، إلا أن الجمعية تشيد بالصحوة التي بدأت في المجتمع.
} مراحل تحديد الهوية
ولتحديد الهوية الجنسية مراحل عدة، يمر بها المريض بعد دخوله مقر الجمعية، تبدأ بإجراء فحص للصبغيات أو الكرمسومات، وهذا الفحص ليس هو الفصل، بل تليه فحوص أخرى أهمها وأكثرها دقة هو فحص الـ ((sry، والغرض منه التأكد من الذكورة، وبعد ذلك يجيء – بحسب محدثنا بروفيسور “عماد” – فحص الأعضاء التناسلية والهوية عن طريق الموجات الصوتية، ومعرفة ما إذا كانت خصية أم مبيضاً، ومن ثم يأتي الشكل الخارجي للشخصية، ليقول بعده أعضاء الجمعية ومجلسها العلمي قولهم الفصل في حقيقة الشخصية الخنثى الماثلة أمامهم.
أما إذا كانت الحالة طفلاً – بحسب البروف “عماد” – فإن دور الموجات الصوتية يكون محدوداً جداً، وذلك لصغر الأعضاء، مما يضطر المختصين لإجراء منظار وأخذ عينة من الأعضاء التناسلية الداخلية وإجراء فحص لخلاياها لمعرفة ما إذا كان ذلك مبيضاً أم خصية، وفي أوقات كثيرة يلجأون لإجراء أشعة مقطعية للمريض وذلك بحسب الحالة – والحديث لا يزال “للبروف” – فهناك أنواع مختلفة للخنثى، مثل الخنثى الذكري الكاذب، والخنثى الأنثوي الكاذب، والخنثى المشكل، إضافة إلى أنواع أخرى نادرة.
} في الحلقة المقبلة:
– بروفيسور “عماد فضل المولى” يفصح عن أكثر القبائل السودانية التي سجلت أعلى نسبة لوجود مرض (التنميط النوعي) بين أفرادها!!
– هل للعامل الوراثي دور كبير في وجود الخنثى؟!
– ما هو رأي الدين تجاه المخنثين وعمليات تصحيحهم؟
– ماذا قال البروفيسور “عبد الرحمن أبو دوم” استشاري الطب النفسي حول المراحل العلاجية النفسية للمرض.