معدلات الفقر بالبلاد .. أرقام تقرع ناقوس الـخطر!!
كثير من الأسر السودانية تعاني من تردي أوضاعها وتعجز عن التوفيق بين احتياجاتها الاقتصادية ودخلها المتوفر، وثنائي الفقر والجوع ما فتئ يفتك بأجساد المتعبين بالسودان.. حتى صارت (معدلات الفقر) في تزايد وصلت معه إلى حوالي 46.5% من السكان، بحسب المسح الأخير الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء.. مستنداً على المسح القاعدي لبيانات الأسر في العام 2009م.
وهذه النسبة إن بدت كارثية، إلا أن خبراء اقتصاديون ومراقبون ذهبوا إلى أبعد منها، متوقعين أنه بحلول العام الحالي ربما وصلت إلى 67%، آخذين في الاعتبار عدة عوامل قادت إلى هذه القراءة.. ودقوا بقولهم ناقوس الخطر بـ (أسئلة حِداد) عن الأسباب التي قادت إلى هذا الأمر!
} نصف السكان تحت خط الفقر!!
الخبير “مصطفى حسن باشا”، برئاسة الجهاز المركزي للإحصاء بالسودان، تحدث لـ (المجهر) مبيناً أن المسح القومي للبيانات الأساسية للأسر الذي جرى في شهري (مايو) و(يونيو) من العام 2009م، كان يهدف إلى الوصول لنتائج مهمة وأساسية، منها تقييم وتقصي المستوى المعيشي السائد بين السكان، وإيجاد معلومات من شأنها المساعدة في توفير الرعاية الصحية وظروف السكن والتحصين وتقدير الاستهلاك.. أما خط الفقر بحسب الدراسات والبحوث فقد تم حسابه على اعتبار أن أدنى حد يمكن أن يتناوله الفرد من السعرات الحرارية هو (2400) سعرة حرارية في اليوم، وهي تمثل الحد الأدنى لمستوى الاحتياجات اليومية من الطاقة الغذائية.. ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث – بحد قول الخبير الإحصائي – أن الاستهلاك الشهري للفرد في شمال السودان بلغ (148) جنيهاً سودانياً في العام 2009م، وأظهرت الدراسات أيضاً أن ولاية الخرطوم نالت أعلى متوسط للاستهلاك، تليها ولاية نهر النيل، ثم ولاية كسلا، ثم الولاية الشمالية. وتم حساب خط الفقر في شمال السودان بحوالي (113) جنيهاً للفرد في الشهر، وعليه (46.5) من سكان الولاية تحت خط الفقر.. فيما بلغت النسبة لدى سكان الحضر (26.5).. و(57.6) لسكان الريف.
} الفقر في الولايات
وعن ترتيب معدلات الفقر في السودان كشفت الدراسة أن ولاية الخرطوم هي الأقل معدلاً، يليها الإقليم الشمالي، ثم الإقليم الشرقي، والإقليم الأوسط في المرتبة الثالثة، على أن أفقر الأقاليم هما كردفان ودارفور.. أما (تصميم العينة) فقد بلغ متوسط قدره في الولاية الشمالية (200) أسرة في المناطق الحضرية و(150) أسرة في المناطق الريفية. كما اختار الجهاز القومي للإحصاء (44) عينة من (وحدات العد) في كل ولاية من الولايات، وفي المرحلة الثانية اختيرت (12) أسرة من كل وحدة مختارة ليبلغ الحجم الكلي للعينة (528) أسرة لكل ولاية، بمجموع قدره (7920) أسرة لشمال السودان ككل.
} حد العدم!!
وكشفت عملية حسابية أخرى أعدها عدد من الخبراء أن أكثر من (14) مليون مواطن سوداني يعانون من الفقر. وفي حديث سابق لوزير الرعاية الاجتماعية الأستاذة “مشاعر الدولب” جاء أن ولاية الخرطوم بها أكثر من مليوني أسرة فقيرة، بينهم حوالي (300) ألف، معدمة تماماً ولا تجد قوت يومها، ولا تستطيع اقتناء أبسط الاحتياجات!!
} ثنائية الدولار والسوق الأسود!!
وقال الخبير الاقتصادي الأستاذ “حسن كبج” لـ (المجهر) إن رؤيته في المسح الأسري الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء، توصلت إلى أن عدم تمكن رب الأسرة من توفير مبلغ (114) جنيهاً شهرياً لكل فرد من أفراد أسرته تضعه إجبارياً تحت بند المنضوين تحت مربع الفقر. ومضى بقوله: أما الوضع الآن فقد اختلفت فيه الموازين تبعاً للتدهور المريع للجنيه السوداني، فالمعالجة التي نفذها بنك السودان مسبقاً رفعت نسبة الإنفاق إلى الضعف، إضافة إلى أن رفع سعر الدولار في السوق الموازي أدى إلى انخفاض القوة الشرائية، وبجانب ذلك قام البنك بشراء الذهب من التجار بالدولار، بسعر السوق الأسود. واستدرك “كبج” شارحاً وموضحاً للأمر بإجراء مقارنة لسعر الجنيه مقابل الدولار في العام (2009)، إذ كان يبلغ ثلاثة جنيهات، أما الآن فالسعر الرسمي له يعادل (5.7)، فيما تجاوز سعر السوق الأسود الآن ثمانية جنيهات!! وكان من تداعيات ذلك هبوط عدد كبير من الأسر إلى أدنى خط الفقر.
} الثلثان!!
ومضى الخبير الاقتصادي “كبج” بالقول: إذا كانت معدلات الفقر في العام 2009م تشير إلى أن ما يقارب نصف سكان السودان يقعون تحت خط الفقر، وبعملية حسابية بسيطة يُقارن فيها سعر الجنيه في السابق والآن، نجد أن ما يربو على ثلثي سكان السودان فعلياً تحت خط الفقر!! وأنا – والحديث لـ “كبج” – من هذه الزاوية أتفق تماماً مع ما توصل إليه عدد من الخبراء بأن معدل الفقر الآن وصل إلى (69%)، ومن بين كل عشرة أفراد سبعة منهم تحت هذا الخط!!
وزاد الخبير الاقتصادي مستشهداً بعدد من العوامل والأسباب، من بينها تآكل القدرة الشرائية للجنيه، والارتفاع المبالغ فيه لأسعار المستهلكات ابتداءً من (الرغيف)، إذ كان الجنيه السوداني سابقاً يكفي لشراء (عشرة عيشات) زنة (90) جراماً، أما الآن فالجنيه لا يوفر أكثر من ثلاثة، وزن الواحدة (50) جراماً فقط.
} أسباب ونتائج
ولخص الخبير “إبراهيم بشير” أسباب ارتفاع معدلات الفقر في عدة عوامل، من بينها عدم اهتمام الدولة بالجانب الزراعي، وتدهور إنتاجية القطاع الاقتصادي، وتحويل المشروعات العامة إلى الملكية الخاصة، فضلاًً عن التوسع في سياسات الخصخصة والتحرير الاقتصادي، إلى جانب خروج عائدات البترول الذي أسفر عن عجز مالي قدر بـ (2,4%) مليار دولار، وهبوط الصادرات بنسبة (28%) وارتفاع معدلات التضخم بصورة كبيرة، فجميع هذه العوامل انعكست سلباً على انهيار الاقتصاد وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر.
} (المجهر) تجري مسحاً
ولمزيد من التأكيد وكتطبيق للدراسات الفائتة، أجرت (المجهر) مسحاً ميدانياً، متخذة من (سوق ستة) بالحاج يوسف عينة عشوائية للاستقصاء والاستبيان، على اعتبار أن السوق يمثل انعكاساً للقوة والقدرة الشرائية للأسر، سيما قاطني المناطق المحيطة به، كـ “الحاج يوسف” وعموم “شرق النيل”. وأفادنا رئيس اللجنة الإدارية للسوق “إبراهيم يونس محمد” بأن سوء الأحوال المعيشية أثر تأثيراً واضحاً على الزبائن، والسوق يعاني من حالة ركود و(بيات) حاد، والقدر القليل من المواطنين الذي يأتي للتسوق يحصر مشترياته في الأشياء الضرورية التي تسد رمقه!!
وأضاف رئيس اللجنة أن أغلب زبائن السوق من العمال والموظفين محدودي الدخل، وأن التجار نفسهم عجزوا عن مجاراة الدولار المتسارع الارتفاع.
وقال تاجر الملابس المستعملة “محمد بابكر آدم” لـ (المجهر): إن الوضع الاقتصادي اضطر الزبائن لشراء الملابس والأجهزة الكهربائية المستعملة و(الخرد)، لارتفاع أسعار المنتجات الجديدة، و(سوق المستعمل) هو الأكثر حراكاً وإقبالاً في البيع والشراء!!