ولنا رأي

هل فشلت صحافة الحكومة؟ (19)

نواصل ما أنقطع من حديث عن هل فشلت صحافة الحكومة؟. ففي الحلقة السابقة ذكرنا أن الأستاذ “النجيب آدم قمر الدين” رئيس تحرير (الأنباء) ضاق ذرعاً بما يجري في الصحيفة من عدم توزيع وعدم توفير الإمكانيات وربما التهميش، ولذلك لم يعجبه الحال فآثر أن يترجل قبل أن يصاب بالضغط والسكري وكل الأمراض التي تصيب الإنسان الذي يكتم في داخله دون أن يخرج الهواء الساخن للعلن، حينما فشل في الإصلاح آثر أن يغادر في صمت، وفعلاً أرسل رسالة عبر الهاتف معلناً ترجله عن قيادة ورئاسة تحرير صحيفة (الأنباء) فعاد الأستاذ الدكتور لاحقاً “أمين حسن عمر” رئيساً لمجلس الإدارة ورئيساً لتحرير الصحيفة التي أسسها وسماها (الأنباء) من بين عدد من الأسماء المقترحة “النبأ” وغيرها من الأسماء التي طرحت، وفاز الأستاذ “مهدي عليان” بتصميم الاسم.. عاد الأستاذ “أمين” على صهوة جواد أبيض يحدوه الأمل أن ينهض بالصحيفة بعد أن فشلت الدولة في توفير الدعم اللازم لها فبدأ في بيع عدد من الدور التي كانت مملوكة لصحف (السودان الحديث) كالدار التي كانت مملوكة لصحيفة (الصحافة) بشارع علي عبد اللطيف، فآلت إلى صحيفة (السودان الحديث) بعد (الإنقاذ) ثم دار (الأيام) بالمنطقة الصناعية بحري التي آلت إلى صحيفة (الإنقاذ) بعد 1989 ومبنى (سوداناو)، كما بيعت عدد من المطابع كمطبعة (السودان الحديث) التي اشتراها الراحل “محمد طه محمد أحمد” رئيس تحرير صحيفة (الوفاق) ومطبعة الإنقاذ بمباني (الأيام) بالمنطقة الصناعية بحري بيعت إلى الأستاذ “حسين خوجلي” رئيس تحرير صحيفة (ألوان) كما بيع مبنى دار التوزيع الذي كانت تشغله صحيفة (الأيام) في عهد حسن “ساتي” والدكتور “محي الدين تيتاوي” شرق نادي ناصر الثقافي الآن وزارة المالية بولاية الخرطوم.
الأستاذ “أمين حسن عمر” كان يحلم بصحافة تضاهي الصحف المصرية وعندما أصبح رئيساً للتحرير ارتسمت على شفاهه علامة الرضا والسعادة وبإمكانه أن يصبح “هيكل” السودان إذا استطاع توفير المال اللازم لها، لأن الكادر البشري من المحررين والإداريين موجودون، ولكن كيف يوفر المال في ظل الصراعات الخفية والعلنية عليه من جهات كثيرة كانت لا تظهر ما تبطن له.. كان الأستاذ “أمين” مولع بالصحافة وكانت شغله الشاغل، كان يمتلك كثير من الأفكار والرؤى التي تجعل لدينا صحافة أشبه بصحافة الدول المتقدمة، لأن الكادر التحريري يفوق الكادر التحريري في كثير من البلدان التي نعتقد أنها متقدمة عنا في هذا المجال، لقد حاول الأستاذ “أمين” بشتى الطرف أن تنهض الصحيفة فجعل لها وكالة إعلان خاصة (أقمار) كانت تلك الوكالة من أفكاره حتى توفر تلك الوكالة كل الإعلانات الحكومية ومن ريعها يستطيع تسيير الصحيفة طالما الدولة لم تعاونه أو تسانده في توفير المال اللازم للصحيفة..
الأستاذ “أمين” لم يخش النشر في كثير من الموضوعات التي يعتقد بعض الصحفيين أنها لا تصب في سياسة الدولة، كان أستاذ “أمين” عقلانياً في الطرح والنشر ولكن لا أحد ساعده في تلك الأفكار، كانوا يريدون أن تكون الصحيفة نشرة تسبح بحمد الحكومة رغم أن الدولة ترفض مثل هذا العمل الصحفي الذي لا يهدي لها عيوبها، فكانت تلجأ إلى بعض الصحف الأخرى لذا انخفض التوزيع وظل في تراجع مما جعل إدارتها توزعها مجاناً على طلاب الجامعات وتفرضها على المؤسسات الحكومية وحينما لم يعجب الأستاذ “أمين” الحال قدم استقالته في صمت .
نواصل

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية