حرب الجنوب.. من الخاسر؟!
طوال الفترة التي اندلعت فيها الحرب بين الشمال والجنوب قبل الانفصال، لم تستطع المليشيات أو الحركة المسلحة أن تحقق انتصاراً على الجيش النظامي في الخرطوم، لأن العصابات لم تصل إلى درجة من التدريب والتأهيل الذي يمكنها من خوض المعارك القتالية، فدائماً حرب العصابات فيها كر وفر، لذلك إذا ما استولت العصابات على مدينة من المدن فلن تظل تلك المدينة في أيديها فترة طويلة، لأن الجيش النظامي يعرف فنون القتال ويستطيع أن يحرر أية مدينة يتم الاستيلاء عليها خلال فترة وجيزة، لذا فإن الحرب الدائرة الآن بين الحكومة في جوبا وبعض القيادات الجنوبية الأخرى التي يتزعمها الدكتور “رياك مشار” والتي حاولت الاستيلاء على عدد من المدن بالجنوب كـ(بور) و(البيبور) و(منقلا) و(ثارجاث) المنطقة الغنية بالنفط، هي محاولة من “مشار” ومجموعته لإثبات القوة العسكرية لرئيس حكومة الجنوب “سلفاكير”، فإذا ما سعى “سلفاكير” بعد ذلك للحوار أو الصلح يأتي “مشار” ومجموعته من منطلق القوة، لذا فإن الحرب الدائرة الآن في جنوب السودان لن تستمر طويلاً، فحكومة “سلفاكير” لها من المال والعتاد ما يمكنها من السيطرة على الموقف تماماً، إضافة إلى أن القوات المناوئة الأخرى لن تستطيع الصمود في مواجهة الآلة الحربية التي تملكها حكومة الجنوب، فإذا ما استطاع “مشار” الاستيلاء على المدن فلن يبقى فيها فترة أطول، لأن المدفعية الثقيلة التي تمتلكها حكومة الجنوب تستطيع إعادة الوضع إلى طبيعته بأقل الخسائر أو بهروب الجنود التابعين لـ”مشار”، وقد لاحظنا مثل هذا الوضع عندما كانت الحركة الشعبية قبل الدخول في مرحلة السلام والاتفاق، كانت تقتحم المدن ولكنها لا تبقى فيها طويلاً، فالجيش الحكومي الذي خبر الجنوب جيداً كان يعرف أن حرب العصابات لن تصمد في مواجهته.. وإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً ونظرنا إلى المناطق التي كانت قد استولت عليها الحركة الشعبية مثل (الناصر) و(أكوبو) و(فشلا) وغيرها من المدن، نجدها أعيدت خلال فترات وجيزة، حتى منطقة (هجليج) التي دخلتها الحركة الشعبية مؤخراً لم تستطع الصمود فيها لفترة طويلة، فتم دحرها وكبدت خسائر في الأفراد والعتاد.
إن حرب الجنوب التي تدور الآن ليست في مصلحة الجنوب أولاً، وليست في مصلحة الشمال ثانياً، فدولة الجنوب الوليدة في حاجة للاستقرار حتى يتم فيها البناء والتعمير، فإذا ما استمرت الحرب ستقضي أولاً على آمال وتطلعات الشعب الجنوبي الذي صوت بنسبة عالية لمصلحة الانفصال..
ثانياً.. ستقضي كذلك على كثير من القبائل التي ينشب بينها الصراع، وبذلك يفقد الجنوب الأمن والاستقرار، وسيكون الوضع أشبه بما يجري في رواندا التي حصدت الحرب فيها أكبر قبيلتين.
ثالثاً.. إن الحرب في الجنوب ستدفع بعدد كبير من اللاجئين إلى دولة الشمال، وهذا سيفاقم من الأزمة الاقتصادية على الشمال بعد أن خرج البترول من الميزانية، فالحرب ستؤدي إلى توقف ضخ النفط الذي بنى الشمال عليه آماله بسد العجز في الميزانية من عائدات عبوره بأراضيه، لذا ينبغي أن تتدخل الحكومة في الشمال بقوة لوقف الصراع الدائر في الجنوب لمصلحة الشمال أولاً قبل الجنوب، وإلا فإن الكارثة ستمتد إلينا.