ولنا رأي

هل يتوقع أن نجد محاكم بلا متهمين؟!

المحاكم منذ الصباح تعج بعدد كبير من المتهمين والمحامين والقضاة، ناس ماشة وناس جاية وأخرى رايحة كلها من أجل العدالة التي ينشدها الجميع، المحامون الذين يدافعون عن موكليهم ظالمين أو مظلومين، وجلسات المحاكم التي تطول لأيام وشهور وسنين. كلها من أجل الوصول إلى الحقيقة، لمنح المظلوم حقه ومعاقبة الظالم إن كان فعلاً ظالماً.
ولكن الملاحظ أن معظم القضايا التي تعرض على المحاكم جلها لا يستحق طول تلك الفترة، وكما يقال فالصلح خير ولكن البعض يرى لا بد من جرجرة من ارتكب خطأ في حق الآخر ولا صلح، فالقضاء لا بد أن يأخذ مجراه. والناظر إلى كثير من القضايا التي يشغل بها وقت القضاة يمكن حلها في ساعات أو ثوان.. حدثني أحد المحامين أمس أن عدداً من المتهمين في قضايا تتعلق بالمال والتي حبس بها المتهمين لا تتجاوز قيمتها الألف أو الخمسة آلاف جنيه. وهي مبالغ زهيدة مقارنة بالمبالغ الضخمة التي نهبها بعض المواطنين من الدولة أو الأشخاص، وهؤلاء لا يكون محلهم السجن وإنما يستقلون أقرب طائرة ويهربون بها إلى خارج البلاد، بعد أن أمن نفسه مادياً بمليارات الجنيهات أو الدولارات أو اليوروهات أو أي عملة أخرى، يستطيع أن يعيش بها أولئك اللصوص خارج البلاد، ولكن الغلابة الذين عجزوا عن سداد مبلغ زهيد لم يتعد الألف أو الألفين يبقى بالسجن إلى حين السداد. فكيف يكون موقف هذا المسكين الذي دفعته ظروف الحياة أن يحتال على شخص آخر ويحصل منه على مبلغ الألف جنيه، ويكون مصيره السجن ويبقى فيه إلى حين سداده، فكيف تكون أسرته إذا كانت أسرة، وكيف يستطيع سداد هذا المبلغ وهو لا يملك قوت يومه. فهل توجد وسيلة لإخراج أولئك من السجون نظير تلك المبالغ الزهيدة، كما يحدث في كثير من بلدان العالم التي يتدخل فيها أهل الخير لدفع المديونيات عنهم ومن ثم إطلاق سراحهم.
حدثني محامي كبير وشغل منصب وزير العدل في فترة من فترات حكم السودان، أن شخصاً اختلس مبالغ مالية ضخمة، وأفرج عنه ليحول إلى محكمة أخرى، ولكن لم يقدم ذلك الشخص المختلس بل قدمت أوراقه فقط، واستقل هذا الشخص أول طائرة وغادر بها إلى خارج البلاد. وقال هذا المحامي هذه (أ.ب.ت.ث) قانون فكيف (يدقس) فيها رجل القانون الكبير.
العدل مطلوب ولكن في القضايا الكبرى، أما القضايا التي لا تستحق يجب أن تتم فيها التسوية بين الأطراف، حتى يتمكن القاضي من التفرغ للقضايا الكبرى. وهناك قضايا الإعسار وقضايا النفقات وقضايا الطلاق، وهذه قضايا أيضاً تعد من القضايا التي ينبغي ألا نشغل بها القضاء، ويجب معالجتها في أطوارها الأولى عن طريق الأهل والأصدقاء مثل قضايا الطلاق أو النفقات وغيرها من القضايا الصغيرة. حتى الإيجارات ينبغي ألا تذهب إلى المحاكم ويمكن تسويتها بين الأطراف ودياً وننعم بالحياة بدلاً من مضيعة الوقت في المحاكم، فهل يأتي يوم نجد فيه المحاكم خالية من شاكين ومشتكين، وكل شخص يأخذ حقه ودياً والقضاة ينعمون بالسعادة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية