ولنا رأي

الموت يغيب الباشمهندس عبد الوهاب عثمان؟!

غيب الموت أمس بمدينة الأردن الباشمهندس “عبد الوهاب محمد عثمان” وزير الصناعة بعد معاناة مع المرض، ولكنه كان صبوراً طوال الفترة الماضية، متحاملاً على نفسه يؤدي عمله في صمت، يُعد الباشمهندس “عبد الوهاب” من الوزراء القلائل الذين يتمتعون بعلاقات طيبة مع الصحفيين، فقد عرفناه طيب المعشر حسن الخلق عف اللسان واليد، لم نسمع في يوم طوال مشاركته في حكومة الإنقاذ وزيراً للشؤون الهندسية أو للصناعة أن دخل في معارك مع الصحفيين، أو اتصل مصححاً لخبر أو لمقال أو لحديث سطره يراع أحد الصحفيين؛ مما يدل على أن سيرته وسط كل الصحفيين طيبة، بل مع كل الناس ولم نقتصرها مع قبيلة الصحفيين، ولكن حاولنا أن نربط ذلك مع الإخوة الصحفيين لأن أقلام الصحفيين أحياناً تنال المسؤولين ليس في أشخاصهم، ولكن تتناول المؤسسات التي يعملون فيها، ونقد الصحفيين بعض الوزراء يعتبرونه تحاملاً عليهم أو استهدافاً، ولكن طوال الفترة التي عملنا فيها لم نسمع يوماً أن سهاماً قد وجهت للباشمهندس “عبد الوهاب”، وهو قليل الظهور في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة. كان يبتعد عنها إلا عند الضرورة، وقد حظيت بأول حوار معه، وأظن أن ذلك كان في 2002 أو 2004م، إن لم تخُني الذاكرة، لم تكن لي علاقة به، فوجدته بالصدفة، وعرضت عليه فكرة الحوار الذي قصدت منه تسليط الضوء على جوانب متعددة على وزارة الشؤون الهندسية، وعن السكن العشوائي والخطط الإسكانية الجديدة، وهل فعلاً قضت الوزارة على السكن العشوائي، وكثير من القضايا الأخرى.
السيد الوزير كان في منتهى اللطف والأدب والذوق، فأحالني إلى مدير مكتبه الذي رتب لي الحوار، وجئت في الموعد المضروب، حوار ساعة من العاشرة صباحاً وحتى الحادية عشرة، فجلسنا في الحوار وكان آخر سؤال حينما رفع رأسه ونظر إلى الساعة، التي كانت تشير إلى الحادية عشرة بالضبط. لم ألتقه إلا في مناسبة سياسية أخرى، فذهبت فسلمت عليه، فسألني لماذا لم تأت إليَّ مرة أخرى، قلت له سيد الوزير أنا علاقتي دائماً تنتهي مع المسؤول مع آخر سؤال أطرحه عليه في الحوار، ضحك وسكت، وفهمت سر تلك الضحكة.
لقد ارتبطت علاقتي مع السيد الوزير الذي رحل عن دنيانا بالأمس منذ ذاك الحوار، فبدأ يبادلني تهاني شهر رمضان والعيدين، وظلت تلك العلاقة ممتدة، ولم يقطع رسائله النصية إلا في العيد الماضي، فالتقينا صدفة فقلت له السيد الوزير، لم أقرأ منك رسالة بمناسبة العيد، فقال لي لقد ضاع هاتفي وضاعت معه كل الأرقام، ولكن أعطني الرقم مرة أخرى.
السيد الوزير الراحل لم أطلبه في حوار، إلا وقد أبدى الموافقة بالإيجاب (Ok)، وبالفعل عندما عجزت إدارة مصنع سكر النيل الأبيض تشغيل المصنع في الاحتفال الذي شهده رئيس الجمهورية، تحمل المسؤولية وتقدم باستقالته للسيد الرئيس متحملاً الخطأ الذي وقع دون الآخرين.. فأرسلت له رسالة طالباً حواراً عن تلك الواقعة، فوافق على الفور، فكان آخر حوار أجريه معه قبل عام تقريباً.. وأذكر وقتها كنت قد توليت رئاسة تحرير صحيفة (المجهر) في نسختها الثانية، فتقدم لي بالتهنئة قبل بدء الحوار، فقال لي لن تستطيع قراءة كل الصحيفة، ولكن نسأل الله أن يعينك في هذه المهمة الشاقة.
إن الباشمهندس “عبد الوهاب” لم تكن علاقتي به علاقة وزير بصحفي، ولكن كنت أحس أنه أخي وصديقي.. وكنت أشعر أنه لا يشبه البشر الذين نعرفهم فهو من طينة أخرى، قليل الكلام، كثير العمل، ابتسامته لا تفارق شفتيه، وحديثه همس.. ألا رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه جناته مع الصديقين وحسن أولئك رفيقا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية