رأي

اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني وتحدي اللحظة التاريخية!!

{ مدخل: السؤال الإستراتيجي للدكتور “غازي صلاح الدين العتباني”: ما هي ردة فعل الحزب الإصلاحي الجديد إذا مضى مجلس شورى المؤتمر الوطني في اتجاه رفض توصية المكتب القيادي بخصوص الفصل والتجميد، واكتفى بتوجيه العتاب واللوم ودعوة موقعي المذكرة إلى الاعتذار على الطريقة الخاطئة لتقديم المذكرة صوناً لوحدة الصف والجماعة، خاصة أن الخيار الإستراتيجي للتيار الإصلاحي هو العمل على تمكين وعي الإصلاح والتغيير من داخل مؤسسات الحزب؟!
{ إن المشروع الإسلامي الوطني في الحكم في حاجة ماسة إلى مراجعات كبرى على مستوى التنظير الفكري والسلوك والممارسة، تستعيد التوازن والحيوية والوحدة والحشد الجماهيري النوعي للكيان السياسي، ثم استعادة الثقة والمشروعية من الشعب السوداني، والانطلاق إلى تأسيس تجربة سياسية إنسانية أساسها الإنسان السوداني، ومرجعيتها الفكر الإسلامي والتجربة الإنسانية وجذرها قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة وكرامة الإنسان، لذلك فإن ظاهرة الإصلاح والتغيير التي انتظمت منتشرةً في جسم ومؤسسات الحزب الحاكم تبقى ظاهرة إيجابية وصحية وخطوة في الاتجاه الصحيح، تستدعي أكل حبال الصبر المر حتى نهاية الأشواط وإنجاز الإصلاح والتغيير المنشود، لأن مقاومة التغيير سنة كونية.. وقد حفّزتني هذه الظاهرة الإيجابية للانضمام إلى تيارها بعدما يئست من نجاعة التغيير والإصلاح من الداخل، وعبّرت عن ذلك اليأس في اجتماع مع الصف القيادي لتيار الإصلاح، ولكن ساقوا لي مرافعة فكرية وسياسية وعِبَر تاريخية تؤكّد نجاعة الإصلاح والتغيير من داخل المنظومة المؤسسية للحزب الحاكم، وإذا تشكّلت القناعة لدى القيادة العليا بضرورة التغيير والإصلاح ستعمل على قيادة وتنزيل هذه المفاهيم أفقياً حتى أدنى مستوى تنظيمي، وسيُغري ذلك القوى السياسية الوطنية لتبني ذات الأفكار، وستكون النتيجة النهائية إصلاح الحياة السياسية السودانية نحو الرشد السياسي والديمقراطية وتداول السلطة، والخروج من الحزب ربما قاد إلى إنهاء الحراك الإصلاحي داخل حزب يهيمن على مفاصل الدولة والحكم، ومآلات ذلك إفساد للحياة السياسية السودانية، وكذلك فإن تجربة مفاصلة الإسلاميين السابقة لم تُفض إلى نتائج إستراتيجية على الواقع الجيوسياسي السوداني، بل أزّمت المشهد العام، وكذلك فإن الشعب السوداني لا يزال ينظر إلى أجنحة الإسلاميين بأنهم منظومة واحدة، فلذلك الأفضل وحدة وتقوية الصف وممارسة فضيلة النقد والإصلاح من الداخل، ثم دفعها وبثها وسط المجتمع لاستيعابه في مشروعنا، لأن المجتمع إذا تعززت له قناعة ضرورة ذهاب النظام ومحاكمة التجربة فلن يبري ساحة مجموعة كانت شريكة لمدة ربع قرن، ويحاكم مجموعة أخرى، لذا فإن الرؤية الإستراتيجية ترميم وإصلاح السفينة المعطوبة والكل بداخلها، وهذا يلزم أن تكون أدوات وآليات إدارة تمكين الوعي الإصلاحي هي مؤسسات الحزب الموروثة، خاصة أن للتيار وجوداً داخلها حتى المكتب القيادي، وذلك تحلّياً بالأدب التنظيمي الموروث، والالتزام المؤسسي، وسداً للذرائع، لذلك فإن عملية (علماً بأنني الموقع رقم 32) و(الرجوع إلى الحق فضيلة)، خطوة استفزازية ومربكة لوحدة الصف، بل كانت خطاً مؤسسياً وتنظيمياً لا يمكن أن يصدر من دعاة الإصلاح والتغيير، فكان الأجدر صياغة رؤية علمية تشرح الواقع وتنتقده وتضع التوصيات والمعالجات اللازمة، ويتم الحشد لها بصورة أكثف وتقديمها وفق التراتبية التنظيمية المعهودة، خاصةً أن لقيادة الإصلاح تجربة سابقة وهي مذكرة العشرة، حيث تم تقديمها بصورة مؤسسية بإدراجها عبر رئيس مجلس الشورى، ولكن يبدو أن هنالك نافذين داخل التيار يدفعون في اتجاه المفاصلة والبينونة، وهم يتوهّمون بأن انفضاض المجتمع عن المؤتمر الوطني فرصة لاستثماره لصالح الكيان الجديد، ولكن الشعب السوداني لا يزال ينظر بريبة وشكوك لحزب المؤتمر الشعبي الذي غادر محطة الإنقاذ منذ عقد ونيف فكيف يقبل بمجموعة توطنت لربع قرن داخل مؤسسات الحزب والدولة ولم تفلح في إقناع كيانها الحزبي بأفكارها وأرائها؟!
لذلك كان يجب المضي بشفافية في إدارة الخلاف حول تداعيات المذكرة من داخل مؤسسات الحزب لا الهروب إلى أعلى، والزعم بأن المذكرة مقدمة من (كرام المواطنين) إلى رئيس السودان، وهذه طعنة في إستراتيجية الإصلاح من الداخل والتفاف، لأن قيمة المذكرة مستمدّة من الموقعين عليها، وقيمة الموقعين عليها مستمدة من اعتبارهم قيادات عليا في الحزب الحاكم، لذلك كان يجب المثول أمام لجنة التحقيق وتقديم ذات المرافعات القانونية والتنظيمية أمام لجنة تم تشكيلها بصورة مؤسسية وعبر النظام الأساسي الذي كانوا هم جزءاً من إجازته بدل التعالي والانتصار للذات.. والإنسان الرسالي في سبيل قيمه الدينية والأخلاقية السامية يُقدّم التنازلات.. هكذا كان النبي “صلى الله عليه وسلم” عندما عرض التنازل عن نصف ثمار المدينة مقابل فك الحصار عنها، لأنها كانت الحاضنة السياسية والجغرافية لحركة الدعوة ومنصة انطلاق للإصلاح والتغيير في الجزيرة العربية، وقدّم تنازلات تكتيكية في صلح (الحديبية) لأنه كان ينظر إلى الهدف الإستراتيجي (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)، ولكن استمرت حالة الاستقطاب المضاد، ونظّم الدكتور “غازي” مؤتمراً صحفياً قدم فيه جدلاً فكرياً عميقاً عن ضرورة إستراتيجية المضي في خط الإصلاح والتغيير من داخل مؤسسات الحزب الحاكم، ويا ليت شعري لو تم التقاط هذه الإشارات بذكاء من قبل القيادة العليا ودفعت في اتجاه تسكين حدة الخلاف من أجل وحدة الجماعة والصف، ولكن أصحاب الأغراض الذاتية هنا وهناك دفعوا بالصراع إلى حافة الهاوية حتى صدرت التوصية من المكتب القيادي بالفصل والتجميد، وكبّر وهلّل لها الغوغاء وشاذو الآفاق، وإن كان المؤتمر الوطني هو امتداد طبيعي لحركة الإسلام فهل يوجد فصل وتجميد داخل الحركة الإسلامية عبر التاريخ؟ إنه الاختلال في المفاهيم.. ولكن كنا نتوقّع ردة فعل تيار الإصلاح أكثر حكمة واتزاناً وتريثاً، اتساقاً مع الرؤية الإستراتيجية الكلية وهي التغيير من الداخل، ولكنهم لجأوا إلى ردة الفعل الذاتية والخيار صفر، وهو اختيار المفاصلة والخروج من الحزب، وهذه الخطوة تتنافى مع خيارنا الإستراتيجي (التغيير من الداخل)، وتم اتخاذ هذا القرار المفصلي والتاريخي من أكثر من عشرين شخصاً، وهذا يقدح في الالتزام بقيم الشورى والجماعة، فكان الواجب حشد كل أعضاء تيار التغيير والإصلاح في شكل مؤتمر عام للتحاور والتفاكر حول هذا القرار التاريخي، ولكن التوّهم بأن الخروج الآن يُضفي لنا رصيداً أخلاقياً يجعل الشعب السوداني يفتح ذراعيه لاحتوائنا، فهذا يقدح في ذكاء الشعب السوداني، وينم عن أن الخيار الإستراتيجي لقيادة المجموعة هو الخروج وتأسيس كيان جديد، وهذا ينم عن نزوعات براغماتية شخصية..
إنها نظرية الوجه والقناع المستحكمة في الشخصية السودانية، لأن الذي يؤمن بالوحدة والتغيير من الداخل كخيار إستراتيجي يمكنه أن يضحي باستمرار وجوده العضوي الشخصي داخل المؤسسات طالما هنالك تيار داخلي هادر يُعبّر عن قيمه وأفكاره، ويمكن أن يبقى هو بالخارج يقود حراك الفكر والتنوير لقيمه بكل الوسائل حتى تتهيأ اللحظة التاريخية لعودته (ومن قصد البحر استقل السواقيا)، واستمر التصعيد المضاد وبدلاً عن استثمار الحراك الإيجابي الذي تم داخل مجلس شورى الحركة الإسلامية والذي يصب في صالح وحدة الحزب والصف، بل يعزز من حراك الإصلاح والتغيير وذلك بإرسال رسائل تؤكد على التمسك بخيار وحدة الصف، يتم الدفع بالإشارات المستفزة والتشاؤمية من شاكلة (خروجنا من المؤتمر الوطني بينونة كبرى)، بل ويجري الآن الترتيب لتكتيك استباقي يهدف إلى الإعلان التأسيسي للحزب الجديد قبل انعقاد مجلس شورى المؤتمر الوطني لسد الباب نهائياً أمام خيار الوحدة، والإيغال في توهّم أن الشعب يبسط ذراعيه لنا، وزهد بائن في إعمال فكر التغيير والإصلاح داخل الصف الإسلامي الوطني الملتزم، بل هنالك أصوات طاغية تعمل جاهدةً على سحب المرجعية الإسلامية من مرتكزات الكيان الجديد، وعدم تحبيذ استيعاب الإسلاميين الوطنيين.
في اعتقادي أن الكرة في هذه اللحظة التاريخية المفصلية في ملعب اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني المزمع انعقاده يوم 16/11/2013م ليتبنى خياراً توافقياً يمنع من تكرار سيناريو مفاصلة جديدة وسط الحزب الحاكم، وذلك بعدم تبني توصية المكتب القيادي بصورتها الحالية والحادة والمتمثلة في الفصل والتجميد، وعلى القيادة العليا أن تكون ذكية ومرنة وتقود هذا الاتجاه داخل الاجتماع، ويتم التوافق على جوهر المذكرة الإيجابي وتخفيض العقوبة إلى العتاب وضرورة الاعتذار عن الطريقة التي قُدّمت بها المذكرة، ودعوة كل أعضاء التيار الإصلاحي للعمل من داخل أجهزة الحزب، وهذا الاتجاه سيمنع وقوع مفاصلة حادة تضعف من كيان الحزب والجماعة، ويؤسس لبداية واثقة لإعمال حراك الإصلاح والتغيير من داخل المؤسسات، ويعطي الحزب ناصية المبادرة السياسية في المرحلة القادمة، والحزب أمامه تحديات إقناع القوى السياسية بالمشاركة في حكومة قاعدة عريضة والدفع بفريق قيادي جديد، لإدارة تحديات الأزمة الاقتصادية، والنزاع العسكري المتفاقم في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، وحشد وحفز القوى السياسية للمشاركة في الانتخابات القادمة، وصون وحدة الصف يعطي الحزب جرعة قوية لإدارة المؤتمرات القاعدية القادمة وفق رؤية الإصلاح والتغيير المتبناة من القيادة العليا، ويحرّك الغالبية الواقفة على الرصيد ويحفّزها على الالتفاف من جديد حول برنامج ومؤسسات الحزب وصولاً إلى المؤتمر العام القادم، الذي نطمح أن يُدار بعقلية منفتحة وشورى حقيقية تولّد قيادات ودماء جديدة لإدارة أجهزة الحزب والدولة (وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام).
في اعتقادي إذا مضى اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني نحو هذه المخرجات الإيجابية، فيمكن لقيادة تيار الإصلاح والتغيير، ودفعاً للحرج، أن تجمع كل الناشطين في التيار وتطرح الأمر للشورى والحوار الواسع مثلما فعلت “بلقيس” ملكة سبأ (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).. وبإذن الله سيكون رد التحية المبسوطة من أعضاء مجلس الشورى أحسن منها.. والسلام على المجتمعين بإذن الله يوم 16/11/2013م.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية