ولنا رأي

الحج عرفة!

تبقت أيام ويكمل الحجاج آخر ركن من أركان الإسلام الوقوف بعرفة، ذلك المكان الطاهر الذي تُغفر فيه الذنوب، وتقبل فيه التوبة، ويعود المرء منه كيوم ولدته أمه خالياً من أي ذنب اغترفه خلال مسيرته الحياتية القصيرة أو الطويلة، والحجاج في ذلك اليوم مقبلين على الله مكبرين وملبين لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. يشعر الإنسان بسعادة غامرة، وهو هذا المكان الطاهر الذي يتساوى فيه الناس وزيرهم وغفيرهم، ملكهم وغيره من عباد الله المسلمين، الذين جاءوا لأداء هذا المنسك العظيم ليكمل بعده المرء الركن الأخير من الإسلام وهذا لمن استطاع إليه سبيلاً.
فالحج عرفة، بمعنى أي إنسان لابد أن يقف بعرفة ذلك المكان الشاسع الواسع، وليس بالضرورة أن يصعد المرء الجبل إذا كانت هنالك مشقة لمن أراد أن يصعده، ولكن لابد أن يقف في عرفات التي وقف فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين حجوا معه حجة الوداع التي أنزل الله فيها قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة، التي أطلقت عليها حجة الوداع، بيَّن فيها للمسلمين دينهم واكتمل هذا الدين بهذه الحجة.
وسعيد من يختاره المولى عز وجل أن يؤدي هذه الحجة إن كان في صغره أو في أواخر عمره.. وأذكر هنا وفي العام 1991م، تقريباً فقد ذهبت إلى المملكة العربية السعودية معتمراً أو معتمراً وزائغاً.. فبعد أن أديت مناسك العمرة عقب وصولي إليها، ووقتها العلاقات السودانية مع المملكة العربية لم تكن في أفضل حالاتها.. لذا ليس من السهل أن يحصل أي سوداني على إقامة دائمة في ظل التوتر بين البلدين، فارتفعت أسعار الإقامات وتجاوزت الثلاثة عشر ألف ريال، وأحياناً بعد الدفع تطلع الإقامة مضروبة، ولجأ البعض للحصول على جوازات سفر تشادية بغرض الحصول على الإقامة.
نعود إلى الركن الأخير من الإسلام الحج، وقتها لم أتمكن خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحصول على إقامة حتى أتمكن من الحج بصورة رسمية، وكنت مصراً على أداء فريضة الحج بأي طريقة من الطرق، علماً أن المقيمين بالمملكة الذين أدوا فريضة الحج كانت السلطات السعودية تمنعهم من الحج من أجل إفساح المجال لمن لم يحجوا، لذلك كانوا يتحايلون على السلطات السعودية، فيحرمون في آخر يوم ويذهبون إلى مكة بعد المغرب أو العشاء، وبذلك يستطيعون أداء الحج فنسيبنا الله يطراه بالخير “العبيد محمد حامد” سبق أن درس بالمملكة وعمل بها، وكان خبير في أداء الحج في آخر يوم، فتعلقت به وركبنا من جدة في اتجاهنا إلى مكة، ووقتها مدخل مكة لن تستطيع تجاوزه إلا بعد أن تخضع لعملية تفتيش بفحص الإقامة والجواز، وأذكر كان في المقعد الأمامي مع السواق سوداني مقيم، فطلب الشرطي من الجميع إبراز الهويات فأبرز السوداني إقامته كما أخرج آخران هوياتهما ولم يلحظ العسكري ما رفعنا من هويات، فأمر سائق العربة بالدخول إلى مكة، الساعة وقتها كانت قد تجاوزت الواحدة صباحاً، فدخلنا الحرم فقمنا بالطواف والسعي، وعقب صلاة الصبح توجهنا إلى عرفات مباشرة التي وقفنا فيها، وخرجنا منها والشمس قاربت على المغيب، نسأل الله أن يعيدنا إليها مرة أخرى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية