ولنا رأي

الأضحية ونار الأسعار!!

في نهاية السبعينيات من القرن الماضي كان الحال في السودان أفضل بكثير عن الحال الذي نعيشه الآن، فالحياة كانت رغدة، والدولار مقارنة بالجنيه السوداني كان يعادل تقريباً ثلاثة جنيهات سودانية، والمبعوث السوداني كان في بحبوحة من العيش، فأذكر ونحن نعيش نفس تلك الأيام وعيد الأضحى المبارك على الأبواب، كان أحد المبعوثين السودانيين بأسرته بقاهرة المعز فحلَّ العيد وذبح هذا المبعوث أضحيته، وأخذ جزءاً كبيراً منها وطرق باب شقة جاره المصري، وعندما فتح المصري الباب أهداه السوداني كمية من اللحم ربما كانت الرجل أو يد الخروف فانخلع المصري، ولم يصدق أن يقدم له السوداني هذه الكمية من اللحم، وبدأ يعتذر لا يا بيه، لا والنبي مش ممكن، ظناً منه أن هذه اللحمة سوف تكون ديناً على المصري، ولابد من رده في أي يوم من الأيام، ولكن السوداني قال له هذه هدية، ونحن في السودان من عاداتنا أن نوزع الأضحية على الجيران، وها أنا الآن أفعل ما أفعله في السودان. وبعد أن قبل المصري لحمة الضحية من جاره السوداني أتذكر تلك الأيام التي عشنا فيها حالة من الرخاء والنعمة، ولم أصدق أن يأتي يوم من الأيام على الشعب السوداني تصعب فيه الأضحية على المواطنين.
تبقت تسعة أيام تقريباً على عيد الأضحى الذي ينتظره الكبار والصغار بفارق الصبر الكبار، لأن فيه تجمعاً بالنسبة لهم خاصة سكان الولايات، ولكن الولايات الآن كلها رحلت لولاية الخرطوم من شظف العيش والحياة البائسة التي يعيشونها، إن سكان الولايات خاصة الذين يعملون بالخرطوم عيد الأضحى بالنسبة لهم موسم، لا يستطيعون البقاء بالخرطوم ساعة وحسب ما ذكرنا فهناك تجمع كبير لأبناء القرية الفلانية أو الحلة العلانية ربما يكون عام أو أعوام لم يلتقوا، فهذا العيد يجمع الحبايب والأصحاب، ويؤكل الإفطار من خروف ناس فلان، والغداء من خروف ناس فلان الآخر، وكذلك العشاء، واليوم الثاني والثالث وتصبح الزيارات والونسة ولعب الورق والشربوت. فالحياة الآن اختلفت تماماً، ولا أعتقد أن العيد سيكون نفس العيد الماضي أو الأعياد السابقة، ومن العسير على أولئك الموظفين أن يتحصلوا على سعر الخروف الذي تجاوز سعره الألف جنيه تقريباً، وربما الكثيرون لا يذهبون إلى قراهم أو ولاياتهم لقضاء إجازة العيد هذا العام. وحسب ما خاف منه أخونا المصري الذي منحه السوداني جزءاً من ضحيته أن يصبح الحال علينا، فلا أحد يستطيع تذوق طعم اللحم هذا العام، نظراً للزيادات الخرافية في الأسعار، إضافة إلى الحالة الاقتصادية الطاحنة التي زادتها المحروقات فحرقت الناس حرقاً، ولا أعتقد أن منحة الرئيس الأولى أو الثانية، ولا الدعم المقدم من ديوان الزكاة أو الرعاية الاجتماعية سوف يحل المشكلة، نسأل الله اللطف بعباده، وأن ينزل المولى بركاته على هذا الشعب الصابر، وأن يأتيه الفرج من عنده.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية