كيف نكون حضاريين؟
} عندما أصرت الحكومة على موقفها بتطبيق قرار رفع الدعم عن المحروقات باعتباره المنقذ الوحيد للاقتصاد السوداني في هذه الفترة، كانت تعلم تماماً أن الشارع سيخرج وسيعبر عن سخطه على تلك الزيادات التي أثقلت كاهله، ولذلك كانت حكمة وزير الثقافة والإعلام الدكتور “أحمد بلال” أن الحكومة لن نتعامل مع الشعب او المتظاهرين بالعنف كما كان معتاداً إلا أن المتظاهرين لم يحسنوا التعامل مع هذا الخروج المنظم أو الفجائي فقد أساء أولئك المتظاهرون إلى هذا الشعب معلم الشعوب الانتفاض والخروج للشارع، لقد خرب المتظاهرون ممتلكات الشعب فحطموا محطات الخدمة البترولية، وهي محطات خاصة بالأفراد وليس الحكومة، كما حطموا وحرقوا سيارات الأشخاص وهم أيضاً من عامة الشعب، ومكتوون بنار تلك الزيادات، فتحطيم سيارة مواطن هذا يعني تحطيماً لعدد كبير من أفراد الأسرة، لأن تلك السيارة تستقطع من قوت الأسرة لدفع جزء لمستحقيها (أقساط)، وحرق محطة بنزين أيضاً هي حرق لأولئك المواطنين الذين أثقلت الديون كاهلهم.. لأن محطة الخدمة تتطلب أخذ قرض من البنوك فتحطمها يعني زيادة لمعاناة هذا الشخص الذي أنشأ هذه المحطة.
{ إن التظاهر هو وسيلة للتعبير عن الغضب وإخراج كل الهواء. وهو حق مشروع، وقد جرب من قبل خلال ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م ولكن في تلك الثورات كان التعامل حضارياً ولم تخرب ممتلكات المواطنين، وكان المتظاهرون يحثون إخوانهم على عدم التعدي على حقوق الآخرين، ولذلك حينما تجري عمليات الحصر للخسائر لا تذكر.
{ بالأمس الأول سمعت من بعض المواطنين أن المظاهرات التي اندلعت بشارع الشنقيطي وسوق صابرين لم تكن مظاهرات فقط، بل كانت عمليات نهب وسرقة لحقوق المواطنين، فقد تعدى بعض المتظاهرين على اقتحام السوق فنهبت اللحوم والسكر والدقيق والصابون، كما نهبت نقود الفتيات بخطف حقائبهن، لقد تحولت المظاهرات من مسيرات للتعبير عن الغضب إلى سرقة حقوق المواطنين، وهذا يعني انحرافاً بالقضية التي خرج من أجلها المواطن.
} لقد شاهدنا الأخوة المصريين والسوريين الذين انتفضوا خلال ثورات الربيع العربي، ولكن لم نسمع أن المتظاهرين تعدوا على حقوق إخوانهم، صحيح ربما هناك مظاهرات سالبة لهم بحرق مراكز الشرطة وبعض دور الدولة ولكن لم يدخلوا المحال التجارية لسرقة ممتلكات الشعب، ولم يحرقوا سيارات الأفراد، في كل دول العالم نشاهد كيف يعبر المواطن عن سخطه تجاه الحكومة التي زادت الأسعار أو لم تعدل له المرتبات لمواجهة ظروف الحياة الضاغطة نشاهدهم وهم يحملون لافتات وشعارات احتجاجية يتقدمون بصورة حضارية، لم يحرقوا الإطارات ولا أغصان الشجر ولم يحصبوا المحال التجارية أو تحطيم واجهاتها الزجاجية، فالأسلوب الحضاري نفتقده نحن في السودان، وفي كثير من البلدان الأفريقية التي تعجز عن توصيل مطالبها بطريقة حضارية من حق أي مواطن أن يشتم الحكومة ويلعنها لأنها لم توفر له العيش الكريم، ولم تحقق له العدالة الاجتماعية، ولكن كيف يحطم المواطن ممتلكاته، فالحافلات والبصات كلها وسائل ينتفع منها المواطن، فتحطيمها يعني تحطيم لحقوقه.. نأمل أن يكون المواطن حضارياً في تظاهره والحكومة حضارية في التعامل معه بدون عنف.