ولنا رأي

ما بين الصحة والتعليم يموت الإنسان!

المستشفيات الحكومية أصبحت أشبه بالمدارس الحكومية التي هجرها الأساتذة والتلاميذ إلى المدارس الخاصة ذات التكلفة العالية. ففي الماضي كانت المدارس الحكومية يتمتع طلبتها بتعليم مميز وأساتذة مميزين، وكل شيء مميز تجده في تلك المدارس رغم قلتها.
الثانويات خورطقت، حنتوب ووادي سيدنا، وفي الخرطوم الأهلية و”محمد حسين؛ ولذلك نجد كل الطلبة المميزين آنذاك كانوا خريجي تلك المدارس، ولم نقل إن المدارس الأخرى لم يكن بها طلبة مميزون، ولكن لأن التعليم وقتها تعليم ممتاز، والأساتذة ممتازون، والطلبة كذلك، ولكن فرص القبول مع العدد الكبير كانت لا تستوعب البقية؛ ولذلك فتحت المدارس الأهلية لتستوعب الكم الهائل من الطلبة الذين لم تُتح لهم فرص القبول بالمدارس الحكومية، التي كانت تقبل أصحاب المجاميع العالية.. ونقارن تلك المدارس بالمستشفيات الحكومية التي كانت تقدم خدمة مجانية لكل المرضى داخل نطاق الولاية، أو المرضى القادمين من الولايات الأخرى، ولم نسمع أن هناك قيمة للعلاج أياً كان نوعه صور أشعة أو عمليات أو حتى الحقن الفارغة.. فاليوم الدخول إلى المستشفيات الحكومية يتطلب منك كل شيء ثمن الحقن الفارغة والشاش والقطن ومصاريف العملية وقيمة السرير التي أصبحت ليست في استطاعة أولئك المساكين. وإذا سألت ما الذي حدث في قطاعي التعليم والصحة، لا تجد أي مبرر إلا التوسع في إنشاء المدارس الخاصة ذات التكاليف العالية والمستوصفات والمستشفيات التي إن دخلتها تصاب بمرض جديد من قيمة التكلفة الباهظة للسرير فقط، وليس العملية أو الأدوية الأخرى.
حدثني أحد الزملاء عن المريض الذي يرقد الآن طريح إحدى المستشفيات الخاصة التي تجاوزت فيها قيمة السرير الألف وخمسمائة جنيه، (مليون ونصف جنيه بالقديم)، هذه قيمة السرير، أما العملية وبقية العلاجات الأخرى فحدث ولا حرج.. لا ندري لماذا هذا الارتفاع الجنوني بتلك المستشفيات؟، وإذا نظرنا إليها نجدها مستشفى عادياً وفي حي عادي، فلماذا كل تلك التكاليف.. فهل السرير الذي نشاهده الآن هل إذا اشترته المستشفى من الورقة هل يصل سعره إلى ربع الذي تتقاضاه يومياً نظير هذا المريض.
إنَّ الصحة في بلادنا تحتاج إلى خبراء لمراجعتها، فلا يعقل أن تتصاعد تكاليف العلاج إلى هذه الأرقام الخرافية، وحتى ما قيل عنه التأمين الصحي فهناك كثير من المستشفيات لا تقبل الحالات المرضية؛ نظراً لعدم الإيفاء بالدفعيات الشهرية، فأصحاب المستشفيات الخاصة أصبحوا كل شهر يطاردون الجهات المسؤولة عن التأمين الصحي للإيفاء بمرتبات الأطباء ومستلزمات المستشفى الأخرى، وكذا الحال في الصيدليات، فهناك بعض الأدوية لا تصرفها الصيدلية إما متعمدة لعدم دفع مستحقاتها من المسؤولين بالتأمين، وإما لغلاء سعرها، فلن تستطيع الشراء بمالها الخاص ومن ثم تنتظر ردَّ المبلغ.
المواطن في هذا الوطن مغلوب على أمره، محاصر من كل الجهات التعليم الصحة والمعيشة التي أصبحت عسيرة على كثير من المواطنين، من أين لهم بكل تلك المبالغ الباهظة والمرتب محدود والمعاش محدود؟، بينما الذين ذكرهم رئيس الجمهورية يتطاولون في البنيان ويقضون إجازاتهم في تركيا وغيرها من مدن الرفاهية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية