تحقيقات

بيوت أم درمان القديمة.. كيف سكنها الجن؟! (2-2)

بدت خطواته تتثاقل بعض الشيء وهو يخطو نحو باب المنزل في طريقه إلى الخارج ليمارس عادته التي ألفها كل يوم وهي الجلوس على كرسي يتأمل الطريق العام… لم يكن يدري أن المسافة بين المطبخ وباب منزله يمكن أن تصبح بهذا الطول وهو الذي يحفظ بيته عن ظهر قلب.
كان (هـ) على دراية تامة بأن منزله تسكنه مجموعة من الجن الذي يمارس مضايقاته على أفراد الأسرة، ولكنها المرة الأولى التي يشعر بمضايقتهم له… لحظات ثقيلة مرت عليه وهو يحاول الوصول إلى الباب بعد أن شرب الماء الذي يريد.. وما أن وصل إلى الخارج حتى ترامت إلى مسامعه ضحكاتهم!!
} حالة (تسليط)
رغم أن هناك من يعزز أن (الجن) سكنوا بيوت أم درمان القديمة عندما وقعت (معركة كرري) وفرارهم إلى داخل البيوت بعدما كانوا يسكنون الجبال.. إلا أن هذه الشائعة المتأصلة داخل المجتمع الأمدرماني لم أجد من يسندها علمياً، كل الأحاديث تظل مجرد روايات إلا أن هناك بعض أساتذة التاريخ أكدوا استماعهم لهذه الرواية لكنهم عجزوا عن إثباتها علمياً، لتظل الحقيقة التي أكدها لنا الشيخ “يعقوب مهدي يعقوب الحلو” التي أشرنا لها في الحلقة السابقة، وهي أن أم درمان من أكثر المناطق كثافة سكانية بالجن، خاصة مدينة كرري وأحياء الموردة، البوستة وبيت المال وهي أحياء تمتاز بالعراقة والأصالة و.. بالجن أيضاً.
ومن داخل الموردة دعوة قدمها لـ(المجهر) شيخ “يعقوب” لمشاهدة منزل احترق بالكامل عن طريق الجن الذي سكنه عن طريق (التسليط) وهو مصطلح يعني أن الجن سكن هذا المنزل عن طريق السحر الذي أريد به إيذاء من بالمنزل.. (المجهر) وقفت على آثار هذا الحريق الكامل المتكامل.. بدأت فصول القصة قبل عامين أو أكثر كما يروي ساكنو المنزل عندما بدأ أول حريق في الاشتعال دون أسباب تذكر بعد صلاة جمعة ذلك اليوم.. حريق استمر إطفاؤه من قبل الدفاع المدني أربع ساعات كاملة!! هذا الحريق آثاره لم تظهر على جدران المنزل وأثاثه فحسب بل ترك أثراً في أذهان الجيران وأفراد المطافئ الذين صاروا أكثر دراية بالمنزل كلما اتصل الجيران بهم لإطفاء نيرانه، التي عاودت الاشتعال مرة أخرى قبل شهرين، ولكن هذه المرة كان الحريق أقل درجة من السابق فقد استمر إطفاؤه ساعتين.. ولكم أن تتخيلوا تلك الحيرة الممزوجة بخوف تحكيه عيون سكان هذا المنزل الذي لم يترك صاحبه (شيخاً) إلا وطرق بابه، وفي كل مرة يأتي بالعلاج والبخرات ويجدها ملقاة في (حوش المنزل) ومكتوب على ظهرها عبارة (قروشك وين؟) بالإضافة إلى أنه يفتقد الكثير من الأشياء، وأحيان أخرى يعملون على مناصفته في أشياء عديدة.. قد لا يتصور أحدكم آثار هذا الحريق الذي ظل متواصلاً حتى يوم الخميس الماضي إلا أن الصور التي أمامكم أبلغ من الكلمات والجمل.
} تحذيرات
هذه قصة حقيقية شأنها شأن آلاف القصص والروايات والمشاهد الحقيقية لأناس شاهدوا (الجن) أو شعروا بمضايقاتهم، ولكن في حال عدم وجود (تسليط) وسحر فإن شيخ “يعقوب” يؤكد أن (الجن) داخل كل بيت ولا تبدأ أذيتهم إلا عندما يتعرض صغارهم إلى الأذى، لذلك ينصح بذكر (البسملة) دائماً لأنهم حينها يتنحون جانباً، وفي الحوار الذي يدور بين شيخ “يعقوب” والجن عند إخراجه لهم حال تعرض أحد صغارهم إلى الأذى، فإنه يؤكد أن الإنس كان لابد أن يلهجوا بـ(البسملة) حتى يأخذوا حذرهم.
ولكن هل الحذر والخوف يمكن أن يقي الإنسان شر الجن؟ أم أنها أقدار مسطرة من رب العالمين؟!
هذا السؤال يحكي حال (ن)، تلك السيدة التي أرادت استئجار أحد المنازل بحي الموردة رغم التحذيرات التي أطلقها الكثيرون عن امتلاء هذا المنزل بالجن ولم يسكنه شخص إلا وتوفي، ولكنها لم تلق بالاً للتحذيرات فقد كانت تريد جعل هذا المنزل عيادة لها، وشرعت في استكمال عقد الإيجار وأحضرت أحد الشيوخ الذي طلب منها أن تقوم بغلي (بليلة) لمدة أسبوع داخل المنزل ومن ثمّ تباشر عملها فيه كطبيبة، ولكن لم تمر أشهر حتى اكتشفت (ن) أنها مصابة بداء سرطان الثدي، لتذهب في رحلة علاج طويلة عادت بعدها وأول القرارات التي اتخذتها هو التخلي عن تلك العيادة.
هناك حالات عديدة مشابهة لحالة (ن) مع اختلاف التفاصيل والظروف والأمكنة، كما أن هناك العديد من المواقف التي تمثل غرابة لأصحابها، كقصة ذلك الثعبان الضخم الذي ظهر للشيخ “يعقوب” أثناء إخراج الجن من أحد المنازل، فهو لديه طريقته الخاصة في إخراجهم والتي لا تتعدى يوماً وليلة، ويقوم بالإعداد لهم قبل الذهاب إلى المنزل المسكون، ولكن في أحد المرات قبل أن تطأ قدمه أحد المنازل التي هجرها أهلها بفعل الجن تفاجأ بثعبان ضخم أسود اللون يزحف بسرعة كبيرة في طريقه إلى البحر.. كان هذا الثعبان من أكثر الحالات غرابة ودهشة مرت على شيخ “يعقوب” الذي حسب قوله أن علاقة الجن بالبحار تكمن في أن لديه مملكة اتخذت من أعماق البحر مرتعاً لها، كما أنه يعشق العيش في الصخور والجبال.. أغلب الحالات التي يحاور فيها شيخ “يعقوب” الجن تلك الحالات المتعلقة بحراسة الكنوز، فإن هناك اتفاقاً يحدث بأن ينقل الجن ممتلكاتهم إلى ركن قصي من أركان المنزل حتى لا يتأذى أحد أفراده، وفي أحيان كثيرة يعتقد الجن أن الإنس تعدوا على مساكنهم أو أراضيهم، ومن هنا يبدأ مستصغر الشرر وتحدث المضايقات.. ورغم أن الجن يظل حقيقة ثابتة، فإنه، حسب محدثنا، نسبة البيوت المسكونة تتواصل معدلاتها في الارتفاع لتفوق نسبة الـ(70%).
وبعد…
لم يكن البحث عن حقيقة علاقة الجن بجبال كرري وفرارهم إلى داخل بيوت أم درمان القديمة أمراً هيناً، خاصة أن الأمر يعود إلى عام 1898م، ولكن في ظل غياب مراجع علمية وتوثيقية، بالإضافة إلى رحيل الذين عاصروا تلك الفترة بتلك المناطق، يظل الأمر شائعة متأصلة داخل المجتمع الأمدرماني يؤكدها آخرون فيما يفندها البعض الآخر.. ولكن إيماناً منا، فإن الحقيقة التي لم نستطع تأكيدها علمياً سعينا إلى معرفتها على لسان بعض أهل المنطقة في جولة استطلاعية سريعة، حيث أكد “حسب الله الخليل” وهو من مواليد منطقة كرري أنه لم ير شيئاً، ولكنه ظل يسمع عن البيوت المسكونة في المنطقة. كما أكدت “إقبال أيوب” أنها تستمع إلى هذه الشائعة، ولكن في المنازل القديمة التي توفي أهلها، أما “محمد علي” وهو يعمل بالكمائن فقد دحض هذه الشائعة وعدّها خرافة لا أساس لها من الصحة.
إذن كانت تلك محاولة للبحث عن حقيقة ظلت متأرجحة ما بين التأكيد والنفي خرجنا منها بهذه المحصلة..!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية