ولنا رأي

صبر الشعب تحول إلى مزيد من المعاناة!

في أواخر نظام الحكم المايوي حاول البعض أن يعطي الرئيس الأسبق “نميري” وصفات تنعش اقتصاده الذي بدأ يصل مراحل متأخرة قبل الوفاة.. فجاءت اقتراحات متعددة ودخل رجال دين حاولوا أن يزينوا لـ”نميري” أن الاقتصاد السوداني يمكن أن ينتعش، وبدأ “نميري” يصدق أن فعلاً الاقتصاد يمكن أن ينتعش ويمكن أن يبقى في نظام الحكم أبد الدهر، ولكن كل الجراحات وكل الوصفات باءت بالفشل.. وبدأ تململ الشعب وبدأت الإضرابات هنا وهناك النقابات العمال، الأطباء، أساتذة الجامعات، الطلاب، بدأت حالة من الصعب السيطرة عليها، ولكن النظام المايوي كان يعتقد أن (الجبهة الإسلامية القومية) وراء كل تلك الإضرابات، وبدأ في رصد أسماء القيادات الإسلامية ووضع كشفاً يضم عشرات من القيادات التي نوى “نميري” إعدامها بعد عودته من (الولايات المتحدة).. ولكن القائمين على أمر النظام ومن بينهم “عمر محمد الطيب” النائب الأول آنذاك و”أبو القاسم محمد إبراهيم” وغيرهما من منسوبي الاتحاد الاشتراكي والقيادات المايوية لم تستطع وقف الشارع الذي بدأ يتحرك بأسباب كان بالإمكان احتوائها إذا أحسنت القيادة التعامل معها خاصة وأن أسعار الخبز قد تمت زيادتها، وعدد السلع الأخرى.. ولكن الحكومة لم تعر الأمر اهتماماً، والسبب أنها كانت غائبة تماماً عن الشعب وحتى التقارير التي كانت تردها كانت تقارير مضللة.. وعندما التهب الشارع وأصبح الأمر من الصعب السيطرة عليه، أعلن النظام المايوي العودة لما قبل زيادة الخبز، وهو مبلغ زهيد مقارنة بما نلاحظه الآن من زيادات مبالغ فيها وأحياناً تصل إلى (300%) على السلع، فهل تعي الإنقاذ الدرس وهل بإمكانها التراجع عن الزيادات المرتقبة في المحروقات؟ وهل بإمكانها اللجوء إلى أية وسيلة أخرى تستطيع أن تتفادى بها تلك الزيادات التي من المحتمل أن تشعل الشارع؟.
إن المسؤولين أحياناً يسمعون كلام مبكيهم ويعتقدون أن تلك ثرثرة لا فائدة منها وبإمكانهم أن يفعلوا ما يريدون، ولكن العاقل من اتعظ بغيره.. وهنا نحن الأقرب إلى الشارع وبعيدون عن الغرفة المغلقة التي يعيش فيها أولئك المسؤولون، نسمع ما يدور في الشارع يومياً، ونحاول أن ننقل نبض الشارع على الأقل إذا كان المسؤولون يقرءون ويعلمون بما تكتبه الصحافة، الآن الصحافة ليست لها مصلحة في هدم البناء القائم، وليست لها مصلحة في رحيل زيد أو عبيد، لأن الصحفي ليس طامعاً في أن يكون وزيراً أو غفيراً بقدر ما يحاول أن يتسع الوطن للجميع.
لقد ظل المواطن يقف إلى جانب الدولة منذ عام 1989م، صبر على الكثير في سبيل أن ينعم بالأمن والاستقرار، ولكن في كل مرة تسقط الحكومة أمام المواطن الذي منحها هذا الصبر، وكل الهدايا التي ينتظرها منها مزيد من المعاناة مزيد من رفع الدعم ومزيد من زيادة الأسعار في كل شيء، ولم تقتصر الزيادات في مأكله ومشربه بل تعدتها إلى المجال الصحي، فأصبح من الصعب على المواطن البسيط أن يجد العلاج الذي يضمد جراحه، ولا التعليم الذي فاق حد الخيال، فهل يعقل أن ترتفع رسوم طالب كلية الطب من (ثمانية عشرة ألف) جنيه في السنة إلى (أربعين ألف جنيه)، بين ليلة وضحاها وليس بالجامعات الخاصة بل وصل الرقم إلى (جامعة الخرطوم) أم الجامعات (أربعين ألف جنيه) لطالب الطب بالجامعة ولا ندري كم سيصير المبلغ إذا رفع الدعم عن المحروقات التي قيل إنها في مصلحة المواطن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية