مشاكل المغتربين تبدأ مع الجامعات!!
تبدأ معاناة المغترب السوداني ليس بعد فصله أو البحث عن حقوقه، ولكن المعاناة الحقيقية بعد عمر طويل من العمل المتواصل الذي يمتد أحياناً إلى طاشر سنة أو كذا وعشرين سنة. وتأتي مرحلة التحاق الأولاد أو البنات بالجامعات، تبدأ هذه المعاناة إذ أن دول الاغتراب خاصة دول الخليج من المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تسمح لأي وافد بالالتحاق بالجامعات المحلية. وهنا يضطر المغترب السوداني أن يبحث عن إلحاق أبنائه بالجامعات السودانية، إن كان ابن أو ابنة المغترب قد امتحن الشهادة السودانية بتلك الدول، أو الشهادة البريطانية النظام الانجليزي، فيصبح المغترب يحمل هموم الابن أو الابنة، فهل ينهي تعاقده أو ينتهي تعاقد زوجته، لتحمل المسئولية بمفردها مع أبنائها، الذين لابد أن يواصلوا تعليمهم الجامعي داخل الوطن.
لقد ولد عدد كبير من أبناء المغتربين بدول الاغتراب، وتلقوا تعليمهم مع أبناء الوطن من مرحلة الأساس وحتى المرحلة الثانوية، أي أن الطالب المغترب قضى أحد عشر عاماً أو إثني عشر عاماً طالباً بمدارس الدولة التي يعمل فيها والده، وهذا كرم كبير من المسئولين بتلك الدولة، ولكن لماذا يرفض قبول أبناء المغتربين بالجامعات الوطنية، وهي فترة أقل من القترة التي قضاها التلاميذ في مرحلتي الأساس والثانوي.
وإن كانت الجامعات الوطنية تتطلب دفع مصاريف أكثر، فيمكن للمغترب أن يدفع أضعاف المبلغ، على أن يبقى ابنه أو ابنته أمامه، خاصة وأن تلك السن تعتبر من أصعب السنين للتلميذ، وهي سن المراهقة التي تتطلب أن يكون الابن بجوار والديه. ومهما وجد ابن المغترب من الحنان والعطف من أهله، فلن يعوضه ذلك حنان والديه أو مراقبته له، وهو في هذا الطور الذي يتمرد فيه الابن أو الابنة.
فالمرحلة الجامعية تعتبر من المراحل الصعبة، خاصة لأولئك القادمين من دول الاغتراب، ولم يختلطوا ببني جلدتهم طوال فصول الدراسة السابقة، فتربيتهم قامت على نمط محدد، وحياتهم في دول الاغتراب لها خصوصية وعدم انفتاح، كما هو عليه أبنائنا بالداخل، فتصعب المعايشة بين أبناء الوطن بالداخل والقادمين من دول الاغتراب، هذا إلى جانب أن والد المغترب يصبح في معاناة شديدة.. فإذا جاءت الوالدة فلن تستطيع السيطرة على الأبناء، لأن الطالب الذي جاء إلى الجامعة يكلف الأسرة أن يأتي معها بقية الأبناء، وهم في مراحل دراسية مختلفة. يتطلب هذا أيضاً مراقبة للجميع، والوالدة عاشت على نمط حياة طوال سنين غربتها، فيصعب عليها المراقبة المستمرة لوحدها. وإذا جاء الابن أو الابنة بمفردهما، فلن تستطيع أي أسرة مراقبتهما المراقبة اللصيقة، لأن تلك الأسر لها من الهم ما يكفيها، وهنا يجد ابن المغترب نفسه في حياة جديدة لم يتعودها، وأصدقاء جدد وجامعات على نمط مختلف وبيئة دراسية مختلفة. ومن هنا تبدأ المرحلة الجديدة لهذا الطالب، فإذا التقى بطلاب على خلق واستقامة فلح ونجح، وإلا فتبدأ مرحلة التفكك والضياع، وما أكثر الذين ضاعوا من أبناء المغتربين بسبب أصدقاء السوء، وعدم وجود الرقيب الذي يحفظهم.
لذا نناشد الجهات المسؤولة بدول الاغتراب، ومن خلال سفاراتها بالداخل وسفاراتنا الخارجية معها، أن تعيد النظر في عدم قبول أبناء المغتربين بجامعاتها، لمصلحة أولئك الطلاب ولمصلحة آبائهم العاملين معها، وللحفاظ على هؤلاء الأبناء من الضياع.