كيف نشأت الحركة الإسلامية بالمهدية (3)
نواصل الحديث عن نشأة الحركة الإسلامية بمدينة المهدية الحارة الثانية، التي قامت على أكتاف قامات أمثال “الأمين حاج الطيب حاج طه” الذي كان متواضعاً وزاهداً في متاع الدنيا ونعيمها، فعندما بدأ استقطاب عدد من الشباب من أبناء الحي ومن ثم انتشر الاستقطاب لحارات الثورة المختلفة الأولى والرابعة والسادسة والثامنة والتاسعة، لم يكن أولئك الطلبة والشباب على معرفة ودراية بحركة الإخوان المسلمين أو الاتجاه الإسلامي، فلم يفاتح القائمون على أمر الدعوة أولئك الشباب، فكان الأمر منصباً على الصلاة وتلاوة القرآن، وحينما اطمأن أولئك إلى بعض بدأت المرحلة الثانية وهي توزيع الكُتب، فكانت “معالم في الطريق” “لسيد قطب” أول الكُتب التي دفع بها منسوبو الحركة الإسلامية لأولئك الشباب، ومن ثم كتاب “الظلال” ثم كُتب “محمد قطب” وتدريجياً بدأ الشباب تتفتح أعينهم على قيادات الإخوان المسلمين من جمهورية مصر العربية، وحتى الدكتور “الترابي” وقتها لم يرد اسمه لأولئك الشباب، فكان الهدف تهيئة الملعب تماماً ثم الانتقال من مرحلة إلى أخرى، زيارات لبعض القيادات الإسلامية مثل “صديق الترس” الذي كان يسكن بالحارة الثانية، ثم “أحمد محمد ساموق” صاحب كتاب “الثورة الظافرة” أول كتاب يكتب عن ثورة أكتوبر، ثم زيارات ميدانية لمنازل الزملاء مثل الأستاذ “عمر عبد القادر” بالحارة الثامنة لتناول وجبة غداء مع والده الأستاذ والمربي الفاضل عمنا “عبد القادر” وزيارة لمنزل الأستاذ “النجومي” وفنجان شاي مع الدكتور “أحمد آدم” وزيارة أخرى لمنزل الدكتور “إسماعيل محمد أحمد البشير”، لقد أطمأنت أسر أولئك الشباب لتلك الصداقات، ولم يدخل فيها الشك أو الريبة غير أن أحد منسوبي الحركة الإسلامية والآن من القيادات في الدولة لم يحسن التصرف مع أحد الشباب الذي كان والده متهماً بعلاقته بالحزب الشيوعي السوداني، فما كان من هذا الشخص إلا أن دعاه لقتل والده لا أدري كيف تجرأ هذا الأحمق المنسوب للحركة الإسلامية أن يدعو ابن لقتل والده، وهو لم يتعد السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمره.. كيف يقتل والده وهو لم يره يتصرف تصرفاً ضد الدين، غير أنه يتعاطف مع الحزب الشيوعي.
لقد كان حديث الرجل نهاية علاقة الشاب بالتنظيم الذي لم يعرف عنه شيئاً ولا عن التيار الذي قيل أن والده منسوب إليه.
ظلت العلاقات الاجتماعية مع الطلبة الذين يجري تجنيدهم لصفوف الحركة الإسلامية في صمت، فكان السلوك القويم والمعاملة الحسنة هي التي دفعت أولئك الشباب للاستمرار في علاقتهم مع حركة الإخوان المسملين.
وهنا نستشهد بالأستاذ “حماد عجيب” الذي كان يعمل معلماً بمدرسة “أبو بكر سرور” أو مدرسة المهدية المتوسطة، فكان يمتاز بعلاقة حميمة مع الطلاب، فسلوكه أجبر الكثيرين على الانضمام إلى صفوف حركة الإخوان المسلمين، رغم أنه لم يطلب من أحد الانضمام، ولكن تلقائياً وجدوا أنفسهم طالعين نازلين مع الإخوان المسلمين.
بعد مرحلة الكتب التي كانت توزع في صمت تم الانتقال إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الرحلات الترفيهية، فكانت أول رحلة إلى شاطئ النيل بمنطقة شمبات أو كما يطلق عليها السرحة الآن أصبحت الواحة شرق من أجمل مناطق أم درمان ذات الطوابق المتعددة، وفيما مضى كانت فضاء مليئة بالناموس و(النِمِتِّي) وهي حشرة صغيرة تكثر بالمناطق على النيل، وبها كمية من الأشجار.. شاهدنا في تلك الرحلة لأول مرة مولانا الشيخ “عبد الجليل النذير الكاروي” دعي لتقديم محاضرة لأولئك الشباب وقتها كان صوته منخفضاً وربما لا يكاد يسمعه هو.. الآن يحظى بهالة كبيرة وصوته جهوري يسمع من غير ميكرفون وتعرفنا على الشيخ المثير للجدل، الآن الدكتور “دفع الله حسب الرسول”.
نواصل..