تحقيقات

وكالات الاستخدام الخارجي .. شباب في (مهب) الأحلام!

القصة برمتها تبدو أقرب إلى الخيال.. شباب في مقتبل العمر ضاقت بهم السبل، وفقدوا الأمل في إيجاد وظيفة توفر لهم رواتب تقيهم تقلبات الحياة الاقتصادية وأوجاعها.. فبدأوا رحلة البحث عن خيارات أخرى، من بينها السفر إلى الخارج.. ولكن يبدو أن خيارات هؤلاء الشباب قادتهم إلى نفق مظلم، فلم يتمكنوا من إكمال الطريق.. ولا العودة من حيث أتوا!!
شباب  توجهوا إلى وكالات الاستخدام والاستقدام الخارجي، التي فاق عددها بولاية الخرطوم وحدها (300)، بعد أن وعدتهم بعضها بتوفير عقود عمل في دول النفط العربية.. ودول أخرى ظلوا يرونها في أحلامهم.. وما أن أرادوا إنزال تلك الأحلام إلى أرض الواقع حتى قبضوا هباءً منثوراً!! وضاع القليل من المال الذي جمعوه بعد مشقة.. مثلما ضاعت أحلامهم بسبب وكالات تمارس الغش وتتجاوز النظم واللوائح.. مما دفعنا إلى التساؤل: أين وزارة العمل من هذه التجاوزات؟ ألا تملك آلية لردع مثل تلك الوكالات؟ وهل سيتمكن الشباب المخدوعون من استرجاع ما نهب منهم من أموال ما زالت في حوزة وكالات للاستخدام الخارجي؟!
{ شروط وشكوك
تفاصيل القصة أو المأسآة ربما بدت أكثر غرابة.. مجموعة من الشباب قالوا لـ (المجهر) إنهم تقدموا إلى وكالة (…..) لمنحهم عقودات عمل بالخارج، فطلبت منهم دفع مبلغ عبارة عن قسط أول.. بالإضافة إلى رسوم الفحص الطبي، وإلى هنا كانت الأمور تمضي بشكل طبيعي، ولكن بدأت الشكوك تدور في أذهان المتقدمين للعقودات بعد أن اشترطت عليهم الوكالة (عدم رد المبالغ المدفوعة أو الرجوع إلى الوكالة إلاِّ بعد “60” يوماً من الدفع)! 
وبعد مرور هذه الفترة الزمنية، بدأوا يتوافدون إلى مقر الوكالة يحدوهم الأمل بغدٍ مشرقٍ، لكنهم كانوا لا يعلمون ما يخفيه لهم القدر داخل ذلك المكان الذي وضعوا كل آمالهم فيه.. فقد أصيبوا بخيبة أمل بعد أن تفاجأوا بأن العقود التي بنوا عليها أحلامهم لا وجود لها على الواقع!! ثم تم وعدهم مرة أخرى بتسليم العقودات خلال أيام معدودة.. ولكن ما حدث أن الوكالة لم توفِ بوعدها هذه المرة أيضاً، واستمر الوضع على ذلك المنوال، ووبعد ذلك توجه المتقدمون بفتح بلاغات ضد الوكالة التي خدعتهم.
{ ادفع ولا تسأل قبل شهرين!!
وأكد شباب متضررون في حديثهم لـ (المجهر) أن وكالات مارست عليهم الغش وأخذت منهم مبالغ من المال، بعد أن وعدتهم بأن تبيع لهم عقودات عمل بدول خليجية، ودول عربية أخرى.. إذ لم يترددوا في الذهاب إلى مقار تلك الوكالات، وأحضروا الوثائق التي طلبت منهم (الشهادة الجامعية، جواز السفر، ومبالغ مالية) على أن تكمل هذه الإجراءات خلال شهرين.. وبعدها تسلموا إيصالاتٍ بالمبالغ.. وتم إخبارهم بأنه لا يحق لهم السؤال عما دفعوه قبل مرور شهرين من تأريخ الدفع..!! وبعد المدة المحددة أخبرتهم إحدى الوكالات بأن المبالغ سلمت إلى وكالة ( ……) ومقرها في إحدى الدول العربية، ولم ترسل (الفيزات) والتأشيرات إلى الآن!!
واستمر هذا الوضع الى اللحظة.. ووقع الضرر على أكثر من مائة شاب.. تقدم عشرة منهم ببلاغات في مواجهة الوكالة المخادعة.. مشيرين إلى وجود بلاغات من متضررين آخرين.. فتم القبض على أصحاب وكالة.. ولم يعرف المتضررون حتى اليوم أين ذهبت أموالهم!!
{ عقود مضروبة
أحد المتقدمين للعمل بالخارج طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ (المجهر) إن ما دفعه للثقة بإحدى الوكالات تبعيتها لجهة حكومية، إلا أنه فجع بتلقيه ظلماً من الجهة التي يفترض أن تنصفه.
وقال “محمود نور الدين” – وهو أحد المتضررين – إن أوضاعه آلت من السيء إلى الأسوأ، فقد واجهته ذات المشكلة.. وتكاد التفاصيل تتشابه داخل وكالات أخرى تنتشر بالسوق العربي بالخرطوم.. ومضى في الحديث ليقول إنه جاء بواسطة شخص باعتباره الوسيط الذي جمعه بمسؤولين في الوكالة.. ووقع على عقد معها.. وبعدها دفع مبلغاً محدداً بواسطة محام بالسوق العربي بالخرطوم.. وكانت بنود العقد واضحة.. وطلب منه بطاقة الخدمة وجواز السفر مقابل عقد سفر وتأشيرة.. وبعدها يقول “محمود”: مرت قرابة الـ (4) أشهر ولم نحصل على شيء.. ونحن أربعة أفراد وقع علينا الضرر.. وفتحنا بلاغاً بأقسام الخرطوم، ومن خلال البلاغ اتضح أن تلك الوكالة معروفة لديهم وتوجد بلاغات أخرى في مواجهتها من أشخاص آخرين.. وأضاف: نحن مهندسون تخرجنا في الجامعات السودانية ولم نوفق في إيجاد فرص للعمل وظللنا عاطلين.. لذلك سعينا للسفر لتحقيق جزء من أحلامنا التي استعصت هنا.. والهروب من ضيق المعيشة!! وأشار – في حديثه لـ (المجهر) – إلى أن العقودات التي وقعوها هي لعمال.. ورغم ذلك قبلوها مضطرين.
{ اضرب واهرب!!
ويقول الشاب “أحمد حسن” لـ (المجهر) إنه تسلم – عن طريق وكالة – تصريح العمل الخاص به من إحدى الدول العربية.. إلا أن هذه الخطوة لم تتبعها خطوة أخرى.. ولم يرَ لا العقد ولا التأشيرة، ولم يجد سوى (المماطلة)!!
وأضاف أنه لم يستطع الوصول إلى السيدة المسؤولة عن الوكالة.. فهي لا ترد على مهاتفاته.. وعندما لجأ – ومعه آخرون متضررون –  إلى شقيقتها أصبحت تتهرب منهم بدورها.. وتقول إنها لم تقابلها منذ فترة.
أما الشاب “جمال أحمد نور الدائم” فقد وقع عقداً مع وكالة أخرى بعدما سلمها مبلغ (2500 جنيه) قسطاً أول.. بالإضافة إلى الجواز.. بواسطة المحامي، وبعدما تأكد من وقوعه في شبكة للاحتيال فتح بلاغاً ضدها، وتم تحرير أمر قبض على مالكها.
{ حملات ولكن!!
وكانت وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل قد أعلنت في وقت سابق عن ضبط وتنظيم وكالات الاستخدام الخارجي، وكشفت عن إغلاق عدد من الوكالات المخالفة للوائح والقوانين ومراكز بالخرطوم والولايات. وقال وزير الدولة بالوزارة “أحمد كرمنو” – بحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية – إن الحملات المكثفة التي نظمتها الوزارة لمراقبة وتفتيش الوكالات ومراكز التدريب المهني حققت نجاحاً كبيراً لجهة عمليات الضبط والمراقبة. مبينا أن اللجنة العليا التي تم تشكيلها بشأن تنظيم الحملات شارفت على انتهاء العمل .
من جهته أقر رئيس شعبة الاستخدام الخارجي “جمال إمام حماد” بوجود تفلتات وإشكالات في مكاتب للاستخدام، مشيراً إلى إغلاق الشعبة (8) مكاتب لا تحمل تصاديقَ من وزارة العمل.. بالإضافة إلى وضع ضوابط لإعلانات الوظائف الخارجية بالتنسيق مع الشعبة، كاشفاً في وقت سابق عن سحب تراخيص 50% من المكاتب لمخالفتها الضوابط والقوانين ومنح عقود وهمية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية