حوارات

(المجهر) تقلب أوراق العمر مع الدكتور "الصادق الهادي" رئيس حزب (الأمة) القيادة الجماعية (2):

الدكتور “الصادق الهادي المهدي” يعد أحد أبناء الإمام البارزين حالياً في المجال السياسي، بجانب شقيقه “نصر الدين” الذي اختار المعارضة الخارجية.. حياته حافلة بكثير من العطاء في المجال السياسي، بعد أن جاء ليوحد الحزب عقب عودته من الخارج في بداية الألفية، فشارك في حزب الأمة القومي ولكن سياسات الحزب دعته للخروج مع مجموعة الإصلاح التي قادها السيد “مبارك الفاضل”، لكنه لم يبق معه طويلاً وأنشأ حزب الأمة القيادة الجماعية، وشارك مع المجموعة بمسماه الجديد، وخاض الانتخابات في 2010م، وفاز بإحدى دوائر منطقة أم درمان..

{ ما هي أول محطة عملت بها بعد التخرج؟
– عملت طبيب امتياز بمستشفى (أم درمان – جراحة) ثم امتياز النساء والتوليد بـ(السلاح الطبي) والباطنية بـ(مستشفى الخرطوم).
{ تحت وحدة مَنْ كنت خلال فترة الامتياز؟
– في أم درمان كنت تحت إشراف الدكتور “موسى عبد الله حامد”، والنساء والتوليد تحت إشراف الدكتور “صلاح حاج علي”، وفي الخرطوم تحت إشراف الراحل الدكتور “صالح يس” وآخر (شفت) كان اختيارياً، وكانت رغبتي في جراحة القلب، فذهبت للدكتور “صديق أحمد إسماعيل” وأبلغته برغبتي في جراحة القلب، إلا أنه قال لي: ولكن لم يأتِ طبيب امتياز لهذا الفرع، فقلت له: ولكن هذه رغبتي.. صمت برهة ثم قال لي: ولم لا أنا موافق، فكنت أول طبيب امتياز يعمل في هذا الفرع.
{ وبعد فترة الامتياز؟
– عدت لـ(مستشفى أم درمان) في قسم الباطنية، وعملت مع الدكتور “محمد محمود العربي” والدكتور “محمد علي التوم”، وأذكر خلال فترة عملي معه كان وقتها محتاجاً لأطباء يعملوا معه في مكافحة الغدة الدرقية.. فذهبت إلى (الفاشر) وكنا مسؤولين من تنفيذ مكافحة الغدة الدرقية.
{ وبعد الفاشر؟
– أذكر في 30/6/1989م، حصلت على منحة للتخصص في (بريطانيا)، ولكن أُعدت من المطار بسبب الانقلاب، وبعد أسبوع غادرت لـ(بريطانيا) وفيها حصلت على زمالة الكلية البريطانية، كما حصلت على التخصص في أمراض القلب من جامعة (لندن).
{ وبعد التخصص ماذا عملت؟
– أمضيت أحد عشر عاماً بـ(بريطانيا) تخللتها فترة ثلاث سنوات عملت بها بـ(المملكة العربية السعودية) بـ(مستشفى الملك خالد) بجدة وبالطائف وبـ(مستشفى بخش).
{ من الأطباء البارزين الذين وجدتهم بالمملكة؟
– في المملكة السعودية كان هناك عدد من الأطباء السودانيين المميزين من بينهم الدكتور “عبد العزيز الحاج صالح”، الدكتور “سيد أحمد”، “عامر مرسال” والدكتور “رتيشارد حسن”.
وخلال عملك بـ(بريطانيا).. هل كنت تتعاطى السياسة؟
– وقتها لم أعمل بالسياسة ولكن فكرنا في إنشاء هيئة لشؤون الأنصار، وبالفعل أقمناها وجمعنا عدداً من أبناء الأنصار الموجودين بـ(بريطانيا) وبدأنا بحلقة تلاوة القرآن، وتطورت الهيئة بإحياء المواسم الدينية والمناسبات الوطنية، وتوليت منصب أمين عام هيئة شؤون الأنصار في (بريطانيا) و(أوروبا).
{ أول عمل قمت به وأنت أمين للهيئة؟
– وقتها كانت الأعياد تمر علينا ومسجد (لندن) لا يسع أعداداً كبيرة، ففكرت في أن يكون للسودانيين مصلى تقام فيه صلوات الأعياد، وبالفعل نجحت الفكرة وبدأنا نؤدي صلاة العيد كسودانيين مع بعض الجاليات الأخرى التي لم تدرك الصلاة وتقوم بأدائها معنا.
والأعياد كانت مناسبة تجمع السودانيين، فكنا نلزم كل أسرة بإحضار طعام في ذلك اليوم، وبالفعل كان كل فرد يأتي إلى الصلاة يحمل معه صنفاً من الطعام، فبعد الصلاة نتناول وجبة الإفطار مع بعض، فنجحت الفكرة ومازال المكان الذي أسسناه تؤدى فيه الصلاة إلى يومنا هذا.
{ هل تطورت هيئة شؤون الأنصار إلى عمل سياسي؟
– وقتها كانت لنا أراء حول مكاتب الحزب بـ(إنجلترا)، وكانت هناك مشكلة في المكتب السياسي، فقام الدكتور “عمر نور الدائم” بحله وشكل مكتباً بديلاً وضع الدكتور “التجاني السيسي” على رأسه، وأصبحت أنا عضواً فيه بحكم منصبي كأمين عام، وبعد خروج الإمام “الصادق المهدي” بعد (تهتدون) شُكَّل مجلس استشاري كنت ضمن أعضائه بحكم وجودنا في (المملكة المتحدة) و(بريطانيا)، فكان لنا وجود في المدرسة السودانية التي قام بتأسيسها “أحمد بدر”.
{ ما هو الهدف من المدرسة؟
– أُنشئت المدرسة للحفاظ على أبناء السودانيين العاملين بـ(إنجلترا) وبغرض إتاحة الفرصة لهم للتعرف على المجتمع السوداني والحفاظ على الإرث والتقاليد السودانية، وحتى لا يضيع هؤلاء الأبناء ويفقدوا أنفسهم وهويتهم السودانية.
{ كنت تقدم للوظيفة كغيرك من البريطانيين؟
– نعم، وقد عملت في عدد من المستشفيات البريطانية، ولكن في إحدى المرات كانت مطروحة وظيفة بأحد المستشفيات الكبيرة في (سان جورج)، وفي المعاينة وجدت نفسي الوحيد الأسمر، أما البقية فجميعهم من أولاد “جون”، (قنعت) من الوظيفة ولكن قلت أجرب حظي طالما وصلت إلى تلك المنطقة البعيدة، فجلست أحتسي القهوة أو الشاي ومن ثم بعد المعاينة اتخارج، حينما دخلت المعاينة بدأ الممتحنون في تقليب سيرتي الذاتية، فكان السؤال الموجهة إليّ، لقد عملت بـ(السودان) و(المملكة العربية السعودية) و(بريطانيا)، قيل لي ما هو الفرق في المناطق الثلاث التي عملت بها؟ فوجئت بالسؤال حيث أنني كنت أتوقع أن يكون من صميم التخصص الطبي.
{ فكيف أجبت؟
– قلت لهم في السودان هناك تنوع كبير في المرض، وتعتمد في ذلك على المهارات الإكلينيكية في التشخيص، لأن المعدات الطبية الموجودة في السودان ليست حديثة، أما في (المملكة العربية السعودية) فتوجد فيها معدات حديثة، ولكن ليس هناك تنوع في المرض، أما في (بريطانيا)، فوجدت تنوع المرض والمعدات الطبية الحديثة فقالوا لي شكراً.
خرجت من المعاينة يائساً واعتبرت هذا السؤال بمثابة (تفويتة)، فذهبت لتناول فنجان شاي ولم يمضِ وقت طويل فندهت عليّ السكرتير: مستر “المهدي”؟ أجبتها: نعم قالت لي: انتظر، وصرفت الآخرين، ثم جاءت مرة أخرى وقالت لي: مبروك لقد حصلت على الوظيفة.
{ هل حصلت على الجواز البريطاني؟
– أبداً ولكن كان باستطاعتي لأن أي شخص أمضى أكثر من عشرة سنوات يحق له الحصول على الجواز، ووقتها كنت حريصاً على العودة إلى السودان أكثر من حرصي على الحصول على الجواز البريطاني.
{ ما السبب؟
– السبب أنني حصلت على ما أريد من (بريطانيا) التخصص والخبرة في مجال الطب في عدد من مستشفيات (بريطانيا)، وكنت أحرص أن يواصل أبنائي تعليمهم بالسودان، ومن ثم إذا رغبوا بعد ذلك في مواصلة تعليمهم العالي والتخصص في (بريطانيا) أو في أية دولة أخرى يمارسون حقهم بعد أن يتشبعوا بالثقافة السودانية والأدب والتقاليد السودانية، فهذا كان همي لأن الشخص العربي مهما حصل على مناصب عليا خارج وطنه ينظر إليه بأنه أجنبي.
{ وأنت حفيد “المهدي”.. ألم يلفت نظر الإنجليز هذا الاسم؟
– وقتها لم يعرفوا أنني حفيد “المهدي” إلا من خلال نقاش أو حوار جانبي، ولكن بعد أن أصبحت وزيراً للصحة جاءت مؤسسة طبية تعمل لدعم أفريقيا طبياً كانت “زينب البدوي” تعمل مع تلك المنظمة، فجاءت إلى بريطانيا تدعوني لندشن تلك المنظمة، ومُنحت فرصة مخاطبتها ووقتها كانت هناك قيادات من حزب المحافظين ومجلس العموم والقاعة التي أقيم فيها التدشين كانت باسم (مكملن)، وعندما علموا أنني حفيد “المهدي” قال أحد البريطانيين ماذا كان سيحدث لـ”مكملن” إذا عرف أن بقاعته حفيد “المهدي”.
{ ثم ماذا؟
– لقد شكرت الأستاذة “زينب البدوي” على تلك الدعوة كما شكرتها لاهتمامها بوطنها السودان والقارة الأفريقية، أذكر وقتها كان سفير السودان بـ(لندن) الدكتور “حسن عابدين”، فأخذني إلى مكان كان يتجمع فيه الإداريون البريطانيون الذين عملوا بالسودان، شاهدت عدداً منهم فكانوا كبار السن وسبق أن حضرت مؤتمراً عقد بجامعة (درم) كانت قد أقامته رابطة الإداريين الذين عملوا بالسودان، وغنى له الفنان الكبير “عبد الكريم الكابلي”، وتحدثت فيه الدكتورة “فدوى عبد الرحمن علي طه” و(درم) مشهورة بوثائق المهدية.
{ إذا أعدناك للوراء كيف حياتك مع أقرانك بالحي.. هل تلبي دعوات الأفراح وتحضر الغناء والموسيقى؟
– لقد عشت حياة طبيعية مثلي ومثل أقراني بالحي، فإذا قدمت لي دعوة في أية مناسبة بالتأكيد سوف ألبيها وأجلس مع الناس وأستمع للغناء إن كانت المناسبة بها فنانون.. و(دنوباوي) مشهورة بالفنانين أمثال “محمود علي الحاج” و”ترباس” و”عبد الوهاب الصادق” و”نجم الدين الفاضل” و”صلاح محمد عيسى”.
{ هل بتغني؟
– أبداً ولم أجربه.
{ من الأغاني المحببة لك؟
– الأغاني الوطنية والأغاني الحماسية.
{ هل تذكر أول يوم صمت فيه؟
– نعم أتذكره جيداً وأذكر أنني تعبت جداً وأصبت بصداع حاد وحاولت أن أفطر، ولكن الوالدة أصرت على أن أكمل اليوم وفعلاً أكملته.
{ كم كان عمرك وقتها؟
– تقريباً ثماني سنوات.
{ هل تذهبون لشراء الملابس بأنفسكم للعيد؟
– الملابس وقتها لم تكن من اهتماماتنا، ولكن كنا نهتم بالذهاب إلى (العوني) و(الطوخي) لشراء اللعبات، أما الملابس فهذه من  اهتمامات الأسرة.
{ ويوم العيد؟
– أذكر ونحن أطفال نخرج يوم العيد في موكب الإمام “الهادي المهدي”، فالموكب يخرج من المنزل إلى مسجد “السيد عبد الرحمن” بـ(ودنوباوي)، والموكب كان يذهب بطريق ويعود بطريق آخر، والذين يرافقون الموكب يرددون شعار: (الله اكبر ولله الحمد) ويقولون كذلك (أنصار عبيد الله جيتوا عشان الله أتركوا المعصية وأمسكوا درب المصطفى يشفع ليكم يوم الوفاء)، وهذا الشعار يردده الموكب إلى أن يصل بيت الخليفة وكذلك عند الخروج من المسجد.
{ كيف كانت علاقتكم مع السيد الإمام آنذاك؟
– عندما نشأنا وقتها السيد الإمام كان قد تقلد منصب الإمامة وأصبحت مشغولياته كثيرة، نلتقيه في فطور الصباح وكان عطوفاً، ومشغولية الإمام لم تتح له فرصة للجلوس معنا كثيراً ولكن كنا نحس بيه عندما يقوم بتغطيتنا ونحن نائمين، وعندما ذهبنا لـ(الجزيرة أبا) كان يحرص أن نذهب الخلوة وأن نحفظ جزءاً من القرآن وكان يحرص على سماع القرآن مننا ليتأكد من حفظنا.
{ هل جلدك؟
– أبدا..ً ولكن عندما لم أسمع القرآن يقول لي أمشي أحفظ كويس.
{ هل كان يخطط لمستقبلكم وهل كان يحدد أي الدراسات التي ترتدوانها؟
– أبدً ولكن أحياناً يقوم بتفتيش الشنطة والكراسات والوالدة هي التي وقع عليها العبء الأكبر في تربيتنا، فمايو حينما صادرت ممتلكاتنا كانت الوالدة مدبرة، فكانت تسير أمور البيت بالمبلغ الزهيد الذي تتقاضاه من الدولة، فالحمد لله كان أبناء الإمام “الهادي” تخرجوا من الجامعات وواصلوا دراساتهم العليا، فالفضل بعد الله يرجع للسيدة الوالدة.
{ وحزب (الجزيرة أبا) أين كنت؟
– وقتها كنت بـ(الجزيرة أبا) وشاهدت كل أحداثها وكأنها الآن أمامي شريط سينمائي، وقتها الجو كان مشحوناً وأعداد الأنصار في تزايد على (الجزيرة أبا) والحماس زايد والأناشيد تنطلق بكل أرجاء (الجزيرة أبا) حتى وصل وفد “أبو الدهب” في محاولة لاعتقال الإمام وما زلت أتذكر “أبو الدهب” وهو يدخل (الجزيرة أبا) وقد تمت حراسته بمجموعة من الأنصار، وعندما التقى الإمام أخبره بأنهم وفد من الضباط الأحرار، فرحب به السيد الإمام وقال له لسنا راغبين في إراقة الدماء ونحن نحترم القوات المسلحة، وبعد الانتهاء حمله السيد الإمام شروطه لقيادة القوات المسلحة ومن بينها إزاحة الشيوعيين من واجهة النظام وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعادة الحياة النيابية، فخرج “أبو الدهب” في السادس والعشرين من مارس 1970م، من (الجزيرة أبا) وهو محمل بهدايا الإمام، ولكن تلك الهدايا قوبلت في اليوم الثاني بإطلاق النار والمدافع والقصف بالطائرات الذي استمر لأربعة أيام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية