تمنيت لو عدت تلميذاً!!
مع بداية العام الدراسي أمس ما زلت أتذكر أول يوم أذهب فيه إلى المدرسة بصحبة والدي رحمة الله عليه، ما زلت أتذكر جلبابه الأبيض وعمامته البيضاء، وهو يمسك بيدي ويدخل بي إلى فناء مدرسة ود نوباوي الأولية (أ) كما لا زلت أتذكر الوالد وهو يصطحبني إلى المدرسة الوسطى في أول يوم عند افتتاح العام الدراسي، تذكرت ذلك وأنا أمسك بطفليَّ “عمر” و”حسن” أمس الأول، وأدخل بهما إلى فناء مدرسة الرياض الثورة التي عشقتها حتى الثمالة، ليس لأن ابنيَّ ملحقان بها، ولكن لأنني وجدت نظاماً فيها قل أن تجده في مدرسة حكومية عند بداية كل عام دراسي، نلاحظ أن المدارس الحكومية يحدث فيها التراخي ولم تكتمل فيها الكتب والبيئة المدرسية سيئة وتحتاج إلى جهد التلاميذ لنظافتها، ولكنت وجدت في مدرسة الرياض الثورة أمس بيئة يندر أن نجدها حتى في المدارس الخاصة، ناهيك عن المدارس النموذجية الحكومية، لم ألحظ ذرة من التراب في فناء المدرسة التي اجتهد مديرها الأستاذ “أزهري محمد عمر” في تغطية أرضيتها بالسراميك.. بل قضى يومه حتى الصباح يراجع الفصول فصلاً فصلاً، شاهدت كل الفصول بالمدرسة وقد وضعت على الكنب كل الكتب الدراسية الجديدة لكل فصل، تشم فيها رائحة الكتاب، كما كنا نشتمُّ تلك الرائحة ونحن تلاميذ بمثل تلك الفصول، كل فصل يحتوي ست عشرة كنبة تقريباً، وكل كنبة يجلس عليها أربعة تلاميذ وفي بعض الفصول ثلاثة تلاميذ بكل كنبة، بالفصول مراوح ومكيفات والأشجار تحيط بكل جنباتها.
بدأ العام الدراسي والرياض الثورة كعادتها تستقبل تلاميذها وأسرهم في أول يوم تقدم الإشادات والنصائح عبر مديرها الذي يعتبر المدرسة كل حياته، فهي بالنسبة له كالماء للأشجار، فإذا فقد الشجر الماء مات، وهكذا الأستاذ “أزهري” لا أعتقد أنه سيعيش وهو خارج هذه المدرسة، فقد أعطاها كل حياته وكل وفته وكل راحته، عشقها حتى أصبح كل التلاميذ أبناءه، لا أظن أن هناك شخصاً أحب مهنته وأخلص لها، كما أخلص الأستاذ “أزهري” لمهنة التعليم، ولو أخلص كل مديري المدارس لمدارسهم لما وجدنا هناك مدارس خاصة (غول) على الآباء والأمهات تستنزفهم مالياً، وتطلب ملايين الجنيهات لطفل لم يكمل عامه الخامس أو السادس، أما المدارس الثانوية فحدث ولا حرج، وبكل بساطة يمكن أن تطلب إدارة المدرسة الثانوية ملايين الملايين من أجل إلحاق التلميذ بالمرحلة.
لذا لابد أن تنظر إدارة التعليم ووزارة التربية إلى مثل تلك المدارس النموذجية كمدرسة الرياض الثورة وما يشبهها، وأن تبقي على إدارتها الناجحة، وتقدم لها العون والمساعدة من أجل غدٍ مشرق لكل المدارس الحكومية، ومن أجل أن تعود للتعليم الحكومي مكانته وهيبته، وأن يعود لمعلم المدارس الحكومية ألقه ومكانته السامية التي كانت تتغنى بها الفتيات أو المغنيات، لقد كانت للعلم مكانة كبيرة داخل المجتمع هيبة وجمال منظر، والمعلم كان يجد مكانته في المناسبات وكان يشار إليه بالبنان.. لذا لابد أن تدعم المدارس الحكومية، وأن تخصص لجان من وزارة التربية للطواف على مثل تلك المدارس النموذجية كالرياض الثورة وأخذ تجربتها وتعميمها على بقية المدارس مع تقديم جوائز سنوية لها.
هنيئاً لأسرة الرياض الثورة هذا الإنجاز والتفوق، وهذا الإخلاص والتفاني من كل المعلمين بها من أجل مستقبل مشرق لأبناء السودان الذين يتخرجون منها، بعد الصورة الرائعة التي شاهدتها في المدرسة همست لأستاذ “أزهري” قائلاً “يا ليتني عدت تلميذاً صغيراً”.