رأي

الربع العربي عامان مضيا ولم تكتمل بعد!! 12

في أجواء هزيمة حزيران نشطت التيارات الإسلامية وربطت بين الهزيمة وعزل القضية الفلسطينية عن مرجعيتها الإسلامية
هزيمة حزيران شكلت ضربة قوية على دعاة القومية العربية والتيارات اليسارية والليبرالية، وأصيبت على أثرها الأمة العربية بإحباط شديد وصل إلى درجة اليأس، فلا شعارات الوحدة العربية ولا التحالف مع الاتحاد السوفيتي قادها إلى الانتصار على إسرائيل، بل كان ذلك في نظر الكثيرين من أسباب هزيمة حزيران 1967م.
في أجواء الهزيمة هذه نشطت التيارات الإسلامية في الوطن العربي، وربطت بين الهزيمة والابتعاد عن الإسلام، ورفعت شعار إسلامية قضية فلسطين ومقاومة الهيمنة الغربية الحديثة على العالم الإسلامي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. التيارات الإسلامية اتخذت مسارات مختلفة في مقاومتها للهيمنة الغربية على المنطقة واحتلال دولة إسرائيل لفلسطين. البعض (التيار الإصلاحي)، رأى أن الخطوة الأولى تبدأ بعملية الإصلاح في العالم العربي بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وإزاحة الأنظمة الفاسدة والمستبدة كمرحلة أولى لمواجهة إسرائيل وحلفائها كجزء لا يتجزأ من العمل على تحرير فلسطين.. والبعض الآخر ذهب مباشرة إلى مقارعة القوى الغربية باستخدام كل الأساليب، ومن هذه خرج تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات التي آمنت باستخدام العنف لمواجهة الهيمنة الغربية وعملائها من الأنظمة الحاكمة في المنطقة، لكن التيار الغالب كان هو التيار الإصلاحي الذي تغلغل في أوساط الشعوب العربية وظل يرفع رايات التغيير والإصلاح بمرجعية إسلامية. واجه الحكام العرب التيارات الإسلامية والإصلاحيين الوطنيين بكل قوة مستخدمين في ذلك الأساليب كافة، الكبت والقتل والإرهاب، مستعينين في ذلك بالأنظمة الغربية والإسرائيليين باعتبار التيارات الإسلامية الإصلاحية مهددة للمصالح الغربية والوجود الغربي كـ(حركة النهضة الإسلامية في تونس)، (حركة الإخوان المسلمين في مصر) و(الحركة الإسلامية في ليبيا)، ولم تنجح في إيقاف المد الإسلامي، واستمر هذا التصادم إلى أن تفجرت ثورات الربيع العربي وأتت بهذه التيارات الإسلامية في مقدمة القوى التي صعدت للحكم.
{ المحور الثاني: البيئة السياسية في المنطقة عند قيام ثورات الربيع العربي
لو نظرنا إلى الحالة السياسية في دول الربيع العربي وقت اندلاع الثورات، لوجدنا أن الظروف كانت موالية، وقد توفرت المحفزات لتحرك الشارع العربي، والتي نوردها في الآتي:
} إتباع الأساليب القمعية في حكم الشعوب بإتباع سياسة التخويف والزجر وإطلاق يد الأجهزة الأمنية في التصدي لأي نشاط يظهره الفرد أو الجماعة داخل هذه المجتمعات.
} ضيق هامش الحريات الممنوحة وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات وإغلاق المنابر وإيقاف الأنشطة ومصادرة الصحف وسجن المعارضين السياسيين الأحرار والمستقلين.
} اتساع الهوة بين الحكام والمحكومين، والحكم يكون بالوصاية دون نزول الحكام إلى قواعدهم والتواصل معهم وقياس نبض الشارع ومطالب الشعوب.
} الانقياد والتبعية المذلة للغرب، والرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه في ظل غياب تام للرأي العام الوطني وعدم الاستقلالية ولو بشكل جزئي.
} انفراد فئة قليلة بحكم هذه الشعوب ولعقود من الأزمان دون تغيير في الوجوه أو السياسات مما يولد الملل ويحرك الغبن في الشعوب.
} العمل على توريث الحكم بالالتفاف على القوانين والدساتير، كما حدث في سوريا وكاد في مصر واليمن.
} الفساد بشقيه المالي والإداري كالاختلاسات والمحسوبيات والتدخل في الصفقات وتغيير وجهتها.
} غياب الديمقراطية وعدم السماح بقيام انتخابات أو تزوير نتائجها لتصل أحياناً إلى نتائج خرافية تقترب من مائة بالمائة.
} عدم القبول بمبدأي الاختلاف والمناصحة، ويصنف الشخص المختلف أو صاحب الرأي والنصيحة بأنه عدو ومعارض ويعامل وفقاً لهذه الرؤية الجائرة.
} تنامي الرغبة في التغيير وسط الشعوب، وهذا يولد كنتيجة للأسباب السابقة ويأس الشعوب من انصلاح حال الحكومات القائمة أو توقع أن يحدث تغيير في السياسات العامة للحكومات في بلدان الربيع العربي.
} وفورة وتطور وسائط الاتصال خاصة وسط فئة الشباب، مما ساهم بفعالية في انتقال المعلومة وكذلك في التنسيق بين المجموعات، وأدى ذلك إلى ثورة جماهيرية ضخمة، ومثال لذلك تجمعات ميدان التحرير المليونية في جمهورية مصر العربية.
} ارتفاع الوعي وسط الأجيال الحديثة التي أحست بأنها يجب أن تكون مميزة كالشعوب الأخرى ويجب أن تأتي حكومات تحقق آمال الشعوب وفئات الشباب على وجه التحديد، ووعيها العالي بالمطلوب منها في هذه المرحلة.
كل هذا ولّد رغبة عارمة وسط الشعوب في التغيير حتى ولو كان ذلك عبر أساليب خشنة. فكانت ثورات الربيع العربي التي أطاحت، بل اقتلعت أنظمة الحكم الفاسدة والمستبدة في بلدان الربيع، وجاءت بديمقراطيات جديدة في المنطقة لتضع المنطقة العربية في طريق الإصلاح والتحول الديمقراطي أسوة برصيفاتها في العالم.
{ المحور الثالث: القوى المحركة لثورات الربيع العربي
لنجاح أية ثورة، فلا بد لها من طاقات وقوى محركة تتوفر فيها صفات محددة من أجل الوصول بهذه الثورات إلى غاياتها المنشودة، فثورات الربيع العربي كان من أسباب نجاحها توفر هذي القوى المؤثرة المتمثلة في فئات الشباب والطبقات الفقيرة من الفلاحين والعمال والعاطلين عن العمل، وكذلك القوى العقائدية لما لها من مرجعية دينية تلهب النفوس وتحرك الوجدان، وما لها من مقدرة على القيادة والتوجيه استناداً إلى شعارات دينية وأخلاقية ذات أثر عميق. فلنلقِ الضوء على هذه القوى المحركة كل على حدة.
} أولاً- الشباب
نظراً للدور البارز للشباب في رسم ملامح الربيع العربي، خاصة بعد الحركات الثورية التي قام بها لتغيير الأنظمة الفاسدة، وبعد نجاح الشباب في قيادة ثورات الربيع العربي، طالبت العديد من الأوساط بتحول تأثير الشباب من العمل السياسي إلى العمل الاقتصادي من خلال دعم مسيرة التنمية المستدامة بمفهومها الشمولي التكاملي، وذلك لاعتبارات بشرية واقتصادية وتنموية متنوعة. للشباب أهمية بالغة كقطاع عريض واسع ضمن التركيبة السكانية للمجتمعات العربية والإسلامية، مؤكدين المسؤولية الملقاة على كاهلهم ودورهم الريادي في قيادة مسيرة البناء والإنماء، باعتبارهم مشروعاً وطنياً وقومياً للوطن والأمة والقاعدة العريضة، والمحرك الأساسي للأحداث، ومن خلالهم ستتحدد ملامح الحاضر والمستقبل، باعتبارهم طاقة خلاقة متفوقة ستقود مجتمع المستقبل، وقد قال عنهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه (نصرني الشباب حين خذلني الشيوخ)، فهناك اتفاق على أن الشباب وإن ضعفت خبراتهم وقلت مداركهم يبقون هم القوى الدافعة للثورات، وهم ماكينة التغيير والإعمار والتطور لكل الأمم، لنشاطهم ومقدراتهم العالية على صناعة الأحداث وتحريكها تحت إمرة وقيادة قوى رشيدة وذات خبرات أكثر، فهم رضينا أم أبينا عصب التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للأمم بما لديهم من طاقات جبارة وروح خلاقة ومبتكرة للوصول لغايات ترضي طموحاتهم التي ليس لها حدود وطموحات شعوبهم المغلوبة على أمرها، فهم خط الدفاع الأول عن مكتسبات الأمم، وهم مطية الشعوب للوصول إلى أسمى الغايات، فهذه الشريحة استطاعت أن تكسر حاجز الخوف والاستسلام والخنوع والركوع، فروح الشباب هي روح مغامرة تواقة للتحدي وكسر الأغلال والقيود وتفجير روح البناء والتعمير، وتغيير الواقع المعاش ومرارته إلى غد مشرق تتمناه وتعمل له كي تكون بلادهم وأممهم في مصاف بلاد العالم وأممه.
} ثانياً- الطبقة الفقيرة
من الملاحظ أن هذه الطبقة هي الطبقة الأكبر في بلدان الربيع العربي كمصر وتونس واليمن وسوريا، ويختلف الحجم والحالة المادية لهذه الطبقة من دولة عربية لأخرى رغم تشابه خصائصها الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية، وذلك بسبب اختلاف الحالة الاقتصادية في كل دولة، خصوصاً الثروة البترولية التي قللت نسبياً حجم هذه الطبقة في دول الخليج العربية وشمال أفريقيا النقطية. وتجب الملاحظة هنا أن انخفاض العدد النسبي للطبقات الفقيرة في البلاد العربية الغنية بالنفط، لم يكن بسبب السياسة العادلة في توزيع الدخل أو نجاح الخطط الاقتصادية، وإنما بسبب الزيادة المطردة في الدخل من البترول.
الحرية والديمقراطية، الدولة المدنية وجميع القيم الحداثية والليبرالية لا تعني الشيء الكثير لهذه الطبقة بقدر ما تعنيها حالة الفقر التي تلف حياتها وحاجتها الماسة إلى السكن والغداء والصحة وغيرها من المتطلبات الأساسية والحدود الدنيا للحياة الإنسانية الكريمة. أبناء هذه الطبقة في دواخلهم غيظ وحقد يتناسب طردياً مع حجم الفقر الذي يعانونه، هم غاضبون معارضون للحاكم الذي يعرفون أنه سبب فقرهم وعوزهم، لكنهم لا يملكون وسائل التغيير. القبضة الأمنية الحديدية من جهة وانعدام المعرفة والقدرة على التعبير من جهة أخرى، أفرزت من هذه الطبقة مادة جاهزة للانفجار تنتظر عودة ثقاب يشعلها. هذا التقسيم الطبقي للمجتمعات العربية، بزواياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية معبّر عن الصورة المجتمعية العربية قبل اندلاع ثورات الربيع العربي. كل شيء تحت الأرض كان جاهزاً للانفجار، لكنه كان مسجوناً تحت طبقات من الأمن الحديدي. شباب الطبقة الوسطى المؤمنون بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية والمتطلعون إلى فجر جديد، وجدوا في وسائل الاتصال الاجتماعية مثل الـ(فيس بوك) وغيرها ضالتهم في نقل مشاعرهم وتجميع قواهم، استبدلوا الساحات المحرمة بساحات الانترنت، وعرفوا أنهم كثر فزاد ذلك من عزيمتهم ودفع بمجموعة منهم إلى الشارع الممنوع، ولم يعلموا أن هناك الملايين ينتظرون فجوة يخرجون منها، فتدافعوا كالسيل العرم وامتلأت بهم الشوارع واهتزت الأرض تحت أقدامهم وسقط الطاغية. لذا، فقد كانت هذه الطبقة أحد محركات ثورة الربيع العربي التي اجتاحت معظم بلدان العالم العربي مع تفاوت بين هذه الثورات من دولة لأخرى. فشيوع الفقر والبطالة جنباً إلى جنب مع انتهاكات حقوق الإنسان وغياب العيش الكريم في ظل أنظمة الحكم التي تميزت بالتسلط والقمع والاستبداد، شكل قوة دافعة للثورات العربية.
{ ثالثاً- طبقة الجماعات والأحزاب الإسلامية (القوى العقائدية)
الإسلام هو الدين السائد بشكل عام والمنتشر عقيدةً في المجتمعات العربية. وقد تختلف المدارس الفقهية بين بلد وآخر لكن يبقى الإطار العام في الفكر الديني الإسلامي مشتركاً بين هذه الشعوب. الإسلام السياسي، من حيث التأصيل التاريخي أُوجد منذ بداية الدولة الإسلامية وتوزيع السلطة بين قبائل المسلمين وزعمائهم في سقيفة (بني ساعدة) في المدينة المنورة بعد وفاة النبي “صلى الله عليه وسلم”. في تاريخنا الحديث بُعث الإسلام السياسي في بداية القرن العشرين وفي مصر بالتحديد، وتجلى سياسياً وتنظيمياً بجماعة الإخوان المسلمين. الإسلام السياسي يبحث عن الحكم كوسيلة لتطبيق رؤيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على المجتمع العربي الإسلامي، لذا كان الاصطدام بينه وبين طبقة الحكام في جميع الدول العربية مع اختلاف الظروف والأحوال. وحيث إن القوة الأمنية والعسكرية بيد طبقة الحكام، كانت السجون والعمل السري والهجرة هي نصيب الجماعات الإسلامية. ولأن الطبقة الحاكمة، مسيطرة، مستبدة، غير عادلة ومستغلة للمال العام، كان التعاطف الشعبي بشكل رئيسي وكبير مع الجماعات والأحزاب الإسلامية. الجماعات الإسلامية رأس هرمها مجموعة محدودة من المفكرين والدعاة الإسلاميين، ووسطها مجموعة أكبر من المثقفين، ويتناسب حجم هذه المجموعة مع اعتدال الفكر الإسلامي، فهم، الإخوان المسلمون، أكثر عدداً من الجماعات الأخرى ذات الفكر الإسلامي المتشدد، أما قاعدتها العريضة فهي في الطبقات الفقيرة، محدودة الدخل والعلم.
الإسلام السياسي تعبير يستخدم اليوم للتعبير عن الحركات الإسلامية التي تصل أو تتطلع للحكم لتحكيم الإسلام (الإسلام هو الحل) كحركة الإخوان المسلمين في مصر، والنهضة في تونس وغيرهما. وذلك للتفريق بينها وبين المجموعات الإسلامية الأخرى التي ترى أن يختصر الإسلام على المسائل الروحية والتعبدية. والكاتب لا يتفق وهذه التسمية، فهو يرى أن الإسلام هو الإسلام بشموله السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتصنيف الإسلام إلى سياسي وصوفي وتقليدي وغيره، كل ذلك ضرب من البدع المستحدثة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية