ماذا تفيد حفلات التأبين الموتى؟!
تداعى نفر كريم من مثقفي هذه الأمة لإحياء الذكرى العاشرة للراحل المقيم البروفيسور “عبد الله الطيب” الذي ملأ الساحة أدباً وشعراً وتفسيراً للقرآن، وتداعى هؤلاء النفر لإعادة ذكراه العطرة عبر ما قدمه لهذه الأمة من خلال من عرفوه أو زاملوه أو تتلمذوا على يده . فالأيام والليالي التي أعيدت من خلالها تلك الذكرى طيبة، ولكن مازلنا نحتفي ونمجد الشخص بعد وفاته، وسبق أن اعترض الراحل على عملية التكريم التي يمنح من خلالها الشخص المكرم هدايا من الخشب أو القماش وكان يعتبرها هدايا لا قيمة لها.. ولذا فإن المواطن السوداني الذي أفنى زهرة شبابه خدمة للبلاد والعباد يأمل أن يرى تكريماً يليق بمكانته، دون أن يأتي هذا التكريم وهو قد فارق هذه الدنيا أو تناساه الناس والحكومة وهو في أمس الحاجة ليعرف قدره إن كان ذلك من جانب البشر أو الدولة.
فالآن هناك كثير من المبدعين الذين قدموا أعمالاً خالدة إن كانت في مجال الأدب أو الشعر أو الثقافة أو الفن أو الرياضة لكن عندما خفض بريقهم وانزووا من المسرح بسبب المرض وقل عطاؤهم لم يسأل عنهم أحد وأصبحوا يكابدون ظروف الحياة لمعيشة الأولاد والبحث عن فاتورة العلاج والأدوية الشهرية، فلا أنيس ولا حبيب يطيب خاطرهم إلى أن يأخذ صاحب الأمانة أمانته، ومن ثم نسمع بعد مضي أربعين يوماً على وفاة المبدع أو سنة عن اللجان قد تكونت لإقامة حفل التأبين، فماذا يجدي أو ينفع هذا التكريم، ويتلملم الناس أصحاب الجلاليب والعمامات البيضاء، وتتبارى الفضائيات في نقل الاحتفال، ويتقدم رجل ويتقدم صديق معدداً مآثره، وكيف كان الراحل، وكيف كانت علاقته وصداقته بهذا وذاك، وكيف كان يقدم للوطن، وكيف كانت يده بيضاء على الآخرين، ونسمع كيف نظمت القصائد فيه، والكثير الكثير الذي يأتي بعد الوفاة، ولكن عندما يكون حياً لا أحد يسأل عنه، وحتى إذا دعته الظروف وذهب وهو يقاسي ويعاني من السؤال يمكن أن يمنح أو يرفض له، ولكن تعال شوف بعد الوفاة كيف تتبارى المؤسسات والشركات في تقديم الدعم والمساندة لإنجاح الاحتفال، فالمقصود ليس الفقيد الذي يعرفه الجميع، ولكن الشركة الفلانية والعلانية يهمها هذا الإعلان الذي يتكرر عشرات المرات خدمة لها وليس للراحل.. لذا أعتقد أن حفلات التأبين لا تفيد المتوفى أو المبدع في شيء بقدر ما تقدم لأناس ولشركات خدمة لم يحلموا بها، وأحياناً ربما تتكسب جهات من وراء هذا التكريم.. فالراحل البروفيسور “عبد الله الطيب” أعماله هي الخالدة، وتلاميذه وأحبابه وأصحابه يذكرونه دائماً، ولكن هذا التفاخر باسم أي مبدع رحل لا ينفعه وإنما ينفع أولئك الذين يظهرون على الشاشات ينفضون الغبار عن أنفسهم، لذلك نرى يجب أن تقدم أعمال لأولئك المبدعين الذين رحلوا بدون ضوضاء أو شوفينية.