ولنا رأي

هل فشلت صحافة الحكومة؟ – الأخيرة (30)

كثيراً من الساسة عندما نسألهم عن متى سيكتبون مذكراتهم، يقولون لم يحن الوقت، وتظل هذه النغمة إلى أن يرحلوا عن هذه الدنيا، ولذلك أيقنت أن السر في عدم كتابة الساسة لمذكراتهم ليس الوقت، ولكن الخوف إن نقلت كلمة هنا أو هناك يعتقد البعض أن فيها مساساً بهذا الشخص أو الأسرة؛ ولذا معظم الساسة الذين كتبوا مذكراتهم لم يطبعوها وظلت حبيسة الأضابير، وتركوها ورحلوا، فعندما بدأت التوثيق لفترة من تاريخ الصحافة السودانية ولفترة كنت قد عايشتها طرب البعض عندما ذكرنا أسماءهم بالخير، وزعل البعض عندما انتقدنا بعض سياساتهم وبدأت التدخلات هنا وهناك، ولم يكن الحال في التوثيق لتاريخ الصحافة السودانية ولكن أيضاً عندما بدأنا نوثق لفترة مهمة لتاريخ منطقة مهمة بأم درمان، وهي مدينة ودنوباوي العريقة التي ظللت أكتب عنها من الذاكرة، ومن زمن الطفولة ولم استعن بالكبار في ذلك التوثيق، ولكن البعض عندما ظهرت حلقة تلاحقني الهواتف، نحن لماذا لم تذكرنا نحن من سكان ودنوباوي الأصليين نحن جئنا مع المهدي، نحن من أوائل من أسس الحي عندما كانت الأرض فضاء، كيف تكتب عن ناس فلان الذين جاءوا أمس، وأحياناً تصل المعلومة سماعية للبعض وتكون الأسماء قد ذكرت، ولكن المشكلة أنهم سمعوا ولم يقرأوا، أو لم ينتظروا نهاية الحلقات لأن كتابة التاريخ لا تتم في حلقة أو حلقتين أو حتى عشر حلقات، فما كتبناه عنت ودنوباوي لم يتجاوز الثماني حلقات، وهناك محاولة للجلوس مع الآباء الكبار أمثال الوالد “الفاضل أزرق” متعه الله بالصحة والعافية وهو من السكان الأوائل بالحي، ويملك الكثير من المعلومات وبالتفاصيل، كنت أفكر الجلوس معه لتدوين ذلك التاريخ، وكذلك رأيت أن أجلس مع الأخ “الهادي نصر الدين” وهو تاريخ بحاله، كنت أود الاستعانة به في كثير من الأسماء، ومن المواقف والشواهد، ولكن كثرة  الحديث عن عدم ذكر فلان وعلان جعل حماسي في ذلك يقل. أما عن فشل صحافة الحكومة وهو أيضاً كثرة الحديث ورفض التوثيق إيجابياته وسلبياته جعل أيضاً حماسي يقل رغم أن تسعاً وعشرين حلقة كانت من وجهة نظري ونظر كثير من القراء وليس الصحفيين من أجمل الحلقات التي وثقت لمرحلة مهمة من تاريخ الصحافة السودانية التي تفتقر إلى كتب الصحفيين عدا كتاب للأستاذ “محجوب محمد صالح”. ونحاول في هذه الحلقة أن نختتم تلك الحلقات بعد أن أحسست بالإحباط رغم أنني تربطني علاقات حميمة بالزملاء الصحفيين وعلى رأسهم الأستاذ “الكرنكي” الذي استفدنا منه كثيراً خلال الفترة التي قضيناها معاً، فصحافة الحكومة فشلت لأن الحكومة لا تريد صحافة تقوم على التقويم والنقد، فهي تريد صحافة تحرق البخور وتسبح بحمد المسئولين، ولا تريد الحكومة أن تعرف مواطن الخلل حتى تتمكن من الإصلاح، ولذلك تأتي بالصحفيين الذين يخدمون خطها، ولا يقولون لها لا، فالأستاذ “الكرنكي” عندما قال لها لا، أصدرت قرارها بحل صحيفة (الأنباء) نهائياً حتى القرار لم تشركه فيه فقد سمع به بعد أن اتخذته بعض الجهات وأرسلته له، ولكن ما يحمد للأستاذ “الكرنكي” أنه أعطى كل الصحفيين مرتب ثلاثة أشهر فوراً ومن ثم شكلت لجنة منحت المحررين بقية استحقاقاتهم، وبذلك انتهى فصل من فصول الصحافة الحكومية ممثلة في صحيفة (الأنباء) التي أصبحت في أضابير دار الوثائق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية