كيف نخرج من جلباب القبيلة؟!
واحدة من آفات هذا الوطن القبلية التي أطلت برأسها وسببت عدة مشاكل وأولها دارفور التي اكتوت من القبلية وصراعاتها ومشاكلها بين كل قبيلة وأخرى، وعلى الرغم من عدد القبائل في السودان ولكن لم نسمع في يوم من الأيام أن القبلية كانت واحدة من أسباب الصراع والخلاف بين أبناء الوطن الواحد، وحتى الطلبة لا أظن أن الزملاء فيما بينهم كان القبيلة واحدة من أسباب الصراع بقدر ما كانت الأيديولوجيات السياسية سبب الخلاف بين الناس، وربما الطائفية. إبان فترة الدراسة بمصر زاملنا عدداً كبيراً من الزملاء من دارفور ومن كردفان ومن جنوب السودان ومن الولايات الشمالية، ولكن لم يقف واحد عند القبيلة التي ينتمي لها “زيد” أو “عبيد”، فقد كانت العلاقات بين الناس يحكمها الوطن الواحد، وحينما بدأ الطلبة في تأسيس روابط بأسماء المناطق والمدن والقرى كنا من المعارضين لتلك التسميات، لذلك كانت المحبة والعلاقات الاجتماعية بين الناس.
بالأمس زارني عدد من أبناء السودان ولا أقول أبناء الإقليم الفلاني لأنني مؤمن بأن هذا الوطن هو للجميع، فمن جاء من دارفور أو كردفان أو النيل الأزرق أو أي منطقة من مناطق السودان المختلفة هم أبناء السودان، دخل اولئك الشباب وهم في مقتبل عمرهم، ولم أكن أتوقع أن الدافع الأساسي الذي أتى بهم إلى الصحيفة هذه القبلية البغيضة التي نعتقد بأنها هي التي فرقت بين أبناء الوطن إذ ظللنا نطرق عليها بهذه الصورة. احتجاج الشباب أن الصحيفة تطرقت إلى قبيلتهم عبر بعض الكتاب الذين ربما لم يكونوا مستهدفين القبيلة أو تلك، ربما يكون الحديث عاماً ولكن أخذ في سياق القبيلة التي لم يكون هناك استهداف لها.
تحدثت إليهم حديث الأخ الأكبر لأخيه أو حديث الوالد لابنه حتى لا تعشعش القبلية في نفوسنا ونجعلها تسيطر علينا بهذا المستوى الذي أحياناً يؤدي إلى الصراع والقتال بين الأخوان من هذه القبيلة وتلك القبيلة، أولئك الشباب من المستنيرين ومن خريجي الجامعات السودانية العريقة أو ما زالوا في نهايات سنينهم بها، التي كان يعجز طلاب ذاك الزمان الالتحاق بها بمعنى أنهم من الطبقة المستنيرة والواعية والمدركة لهموم وقضايا هذا الوطن، وما كنت أريد أن ينغمس أولئك الشباب في هذه القبلية وألا تكون شغلهم الشاغل، وأن الصحف حينما تكتب موضوعاً عاماً ويأتي في سياق الحديث عن قبيلة يجب ألا يفسر هذا الحديث بأنه يستهدف جهة ما أو قبيلة ما، وإذا نظرنا إلى مشكلة دارفور في بداياتها عندما تفجرت في العام 2003م لم يكن سبب المشكلة التهميش أو الإقليم لم ينل حقه أو نصيبه من التنمية، فقد بدأ الصراع قبلياً، القبيلة الفلانية ضد القبيلة الفلانية، وتطور الصراع القبلي حتى عم كل الإقليم ومن ثم أصبح من الصعب السيطرة عليه لذا إذا أردنا أن نعمل على حل مشكلة دارفور حلاً جذرياً يجب أن نبعد الناس من القبلية، وأن تكون المعالجة عامة معالجة فيها المصلحة العامة دون الانحياز لأي طرف من الأطراف مع تطور لفهم المستنيرين من أبناء دارفور خاصة طلبة الجامعات الذين أخذهم الحماس الزائد حول القبلية، فإذا استطعنا أن نرفع وعي الناس حول أضرار القبلية بالتأكيد نستطيع أن نعيد للوطن عافيته وألقه وجماله وازدهاره.