هل المقصودة "إشراقة" أم البشرة الداكنة؟!
ما زال الإعلان المثير للجدل الذي تطلب عبره جهة بدولة الكويت سودانيات من ذوات البشرة غير الداكنة، يلقي بظلاله، وما زال الكُتاب والصحفيون يرمون بسهامهم وكأنه أول إعلان يثير ضجة وسط المجتمع عن حرائر السودان، وقد سبق هذا الإعلان إعلان لعاملات سودانيات بإحدى دول خليج، ولم يثر هذا الإعلان ما أثاره إعلان الكويت، وربما ما جاء فيه واللغة التي استخدمت فيه أصعب من لغة البشرة الداكنة التي نتشرف بها وينبغي ألا تغضب أحداً منا. فإعلان تلك الدولة الخليجية كان يطلب خادمات للعمل، وتصدى للإعلان الأستاذ “الكرنكي” عبر حلقتين ولم يتجرأ أي صحفي آخر على الكتابة في هذا الموضوع، ولا ندري لماذا تبرعت كل الأقلام للنيل من الوزيرة “إشراقة”؟! هل يريدونها كبش فداء بعمل لم تغترفه أو لم تتابعه أو تمعن النظر فيه جيداً.
إن الإعلان من وجهة نظري ليس بتلك الضخامة التي تجعل كل الصحف تتبادله بالشكل الذي خرج به، ونحن نحترم المرأة السودانية ولها مكانتها وقدسيتها، ولا ننكر اللون الداكن.. لكن لماذا لم نسأل مديري بعض الفضائيات السودانية عن سبب عدم وجود مذيعات من ذوات البشرة الداكنة؟! لماذا كل اللون ناصع البياض – طبيعي أو استخدمت مواد أخرى في تحسينه – لماذا لم نسأل عن عدم وجود مذيعات يحملن أسماء “خدوم” و”حليمة” و”فطومة” وغيرها من الأسماء التي لم نسمع بها في القنوات؟! فهل حرصت القناة أو لجان المعاينات على أن لا تكون تلك الاسماء من بين اللاتي اخترن للعمل؟!
لماذا لم تثُر الصحافة في وجه وزارة الخارجية التي تختار أشكالاً محددة للعمل في السلك الدبلوماسي، وهنا أذكر في عام 1984م، عندما طلبت وزارة الخارجية سكرتيرين ثوالث للعمل بالوزارة، تقدم زميل لنا أعتقد أنه من أشطر الزملاء في اللغة الإنجليزية والعربية والمعلومات العامة، واجتاز كل المعاينات وتبقت له آخر معاينة، فرفض أن يدخلها، فسألته لماذا لم تدخل تلك المعاينة فأجاب أنه أولاً لم تكن له واسطة، ثانياً أنه من حملة البشرة الداكنة ولا يتمتع بالوسامة التي تتطلبها الوظيفة.. إذن القضية لم تكن الكويت ولا إعلان الكويت، ولكن أي جهة ترغب في توظيف عمالة تتخير الشكل أولاً، فمثلاً في كل الخطوط الجوية بالداخل أو الخارج أي دولة يكون الشرط الأول للوظيفة الوسامة والبشرة غير الداكنة، فهل شاهدتم في أي سفرية مضيفاً أو مضيفة من حملة البشرة الداكنة.. إن كان في خطوطنا أو في خطوط غيرنا؟! لذا يجب ألا ننفعل ولا نثور على الإخوة الكويتيين ولا على إعلانهم لأن هذا الإعلان لا يحتمل هذه الضجة الكبيرة.
أذكر أن أحد الزملاء الصحفيين جاءته دعوة من جهة خارجية للمشاركة في اختيار ملكة جمال العالم.. تخيلوا سودانياً يشترك في لجنة الاختيار لملكة جمال العالم، فهل هذا الصحفي كان سيختار ملكة جمال العالم من حملة البشرة الداكنة.. طبعاً صاحبنا الإسلامي القح ثار ثورة عنيفة وشتم الذين قدموه ليكون أحد المشاركين في اختيار ملكة جمال العالم.
وأذكر أيضاً في إحدى الصحف وعندما كان الخبر بالصفحة الأولى يتطلب وضع الوزير المختص اعترض رئيس التحرير على السيد الوزير صاحب البشرة الداكنة الذي لا يتمتع بأي نوع من الوسامة تتطلب وضعه على صدر الصفحة الأولى، فاستبدلناه بوزير صاحب بشرة بيضاء ويتمتع بالوسامة.. إذن ما في داعي لكل هذه الضجة وخذوا الموضوع ببساطة واحفظوا نساءكم ذوات البشرة الداكنة التي تعجب أهلنا بالداخل.. لكن حتى كثيرات من بناتنا اللاتي لم تعجبهن بشرتهم الداكنة أضعن أموالاً طائلة لتغييرها للون المرغوب في إعلان الكويت!!