(الأجاويد) يرجمون الشيطان بالأعراف الأهلية من لدن «عطية» و«حماد» و«راشد الولاد» (2)
ثمانية أيام في عاصمة شرق دارفور (الضعين)، بطون المسيرية من أولاد هيبان وسرور والمتانين يبحثون عن الصلح ويحتكمون إلى لجنة الأجاويد برئاسة وكيل ناظر قبيلة الرزيقات “محمود موسى إبراهيم مادبو”.. ونزغ الشيطان لا يكاد يفارق الإنسان ما دامت تخرج الأرض بترولها وذهبها ومعادنها من دون أن يمتثل للأعراف القبلية ويحتكم إلى اللوائح القانونية ومخرجات فض النزاع.
كانت (الضعين) كريمة على قبيلة المسيرية تجود بالحكمة والموعظة الحسنة.. مساجدها ترفع الأكف بالدعاء عند صلاة الفجر، تعوذ بالله من انتشار الفتنة، وتسأله الصلاح والتعايش الاجتماعي، وتمضي الأيام لتحكي قصة نجاح المفاوضات في الآلية التقليدية لفض النزاعات ووقف إراقة الدماء بواسطة مجلس الصلح (الأجاويد).
ليس هنالك شك في الدور الكبير الذي قامت به قبيلتا الرزيقات والمسيرية منذ قيام ثورة الإنقاذ في دعم الحكومة بالرجال ووقوفها معها في الحرب ضد قوات الجيش الشعبي حتى التوقيع على اتفاقية السلام في نيفاشا.. كانت الفاتورة باهظة على القبيلتين في حالتي القتال والسلم، ولا ينكر أحد أن القبيلتين لديهما مقاتلون شرسون، ومنهم من قاتل الحكومة نفسها وانضمّ إلى الحركات المتمردة ورأى في نيفاشا منكراً يستوجب التغيير باليد، ومنهم من يرى أن من الأفضل الصبر والانتظار ما دام الرئيس “عمر البشير” يعلن بصراحة وقوفه مع قضايا تؤرق مضاجعهم في أبيي وسماحة وجنوب بحر العرب.
تنسب قبيلة المسيرية – بحسب البروفيسير الراحل عون الشريف قاسم – إلى جدهم “محمد المسير بن عالي بن عطية بن جنيد بن شاكر بن أحمد الأجذم” وفي رواية الأجذب. ويلتقي عند الأجذم هذا عموم البقارة بدار حامد وحمر، وحامد وحمر أخوا شاكر وأمهما أم سنعير، وأحمد الأجذم ابن شعوف بن أشجع الذي ينتهي نسبه إلى جهينة. ولمحمد المسير ابنان: حامد أو أحمد الأحمر، والد المسيرية الحمر، وأحمد أو محمد الأزرق والد المسيرية الزرق، وكانا قبيلة واحدة، ثم انقسما إلى قسمين، وأصبح لكل منهما قبيلة مستقلة بكردفان. وأما المسيرية الحمر فقد أنجب أحمد الأحمر ولدين فليت وعكاشة. وفليت هو جد الفلايتة الذي أنجب صنان ومتنان حيث أنجب صنان سرور وجعيفر، وجرفان، وأنجب متنان الزايادي، والعرفة، والعريفي، والشامي، والشيبي.. أما عكاشة فهو جد العجايرة وأنجب عجار الذي أنجب بدوره فضل ومحمد خير وإدريس كعب. أما فضل فهو جد الفضلية وهم فرعان صابر وبردان. وأنجب محمد خير كامل وكميل وكلبون ومزغن ثم الفيارين، وأنجب إدريس كعب عمران وناصح وبشيش والبشيشاب. أما الشق الثاني من المسيرية فهم المسيرية الزرق وتقسيمهم في كردفان على الوجه التالي : أولاد أم سليم (خمس عشائر)، (الغزايا (ثماني عشائر)، الدرع (بطنان وخمس عشائر)، العنينات (سبع عشائر) أولاد أم نعمان (ثلاث عشائر) الزرق (ثماني عشائر) أولاد هيبان (خمس عشائر). وقد أنجب جدهم محمد الأزرق العيني والعلواني والغانمي ثم أنجب العيني شكرية وقرون وأنجب العلواني السليمي والغزاي والهيباني والدرعاي والنعماني ثم أنجب الغانمي الدريهمات وبني سعيد.
أما المسيرية الحمر فينقسمون إلى قسمين فلايتة وعجايرة. أما الفلايتة فعمودياتهم خمس على الوجه التالي، الزيود والمتانين وأولاد سرور والجبارات وعمدتهم صبير الحاج أجبر، ومنهم ناظر الفلايتة سرير الحاج أجبر وهو رجل حكيم لعب دوراً في توحيد العجايرة والفلايتة ومن ثم المسيرية الزرق والحمر، وأخيراً السلامات، والفرع الثاني من المسيرية الحمر هم العجايرة، وتتكون عموديات العجايرة على الوجه التالي: أولاد كامل، وكان منهم الناظر بابو نمر، ناظر عموم المسيرية، والفيارين والمزاغنة، وكان عمدتهم حرقاص مريدة والفضلية وعدال ومناما وعمودية المدينة.
عبدالحميد موسى كاشا وقصة فض النزاعات:
لعب والي جنوب دافور السابق عبدالحميد موسى كاشا دوراً بارزاً في فض النزاعات بين بطون المسيرية وحتى تتويج الصلح في مؤتمر الضعين، ويترأّس كاشا لجنة المساعي الحميدة، ويقول كاشا حول منهجية الآليات التقليدية في فض النزاعات ” مجلس الصلح – الأجاويد” أن نجاح المفاوضات يعتمد في الأساس على شروط من بينها تخفيف حدة التوتر بين الجماعات المتنازعة وتوفر درجة من الثقة المتبادلة وإبداء حسن النوايا، وأن تكون لدى أطراف النزاع الرغبة الأكيدة والإرادة القوية في التوصل إلى أي اتفاق تسوية.
ويضيف بالقول:” عند التفاوض على مجالس الصلح مراعاة مصالح الأطراف المتنازعة، ولا يمكن أن تلعب هذه المجالس دوراً فاعلاً وناجحاً في الوصول إلى حلّ مرضٍ دون توفر السرية ومرونة قادرة على تخفيف التوتر ومنع تجدد النزاع.”
ويشير كاشا إلى أنه عند نشوب النزاع القبلي تتدخل مجموعة من الناس تعرف باسم مجلس الصلح أو “الأجاويد” بمبادرة منهم أو بقرار من السلطات الحكومية ويعتبر الحياد شرطاً أساسياً لقبول الوسطاء من المتنازعين.”
الرزيقات ونسبهم
ويشير البروفيسير الراحل “عون الشريف قاسم” إلى أن عطية هو والد رزيق (جد الرزيقات) ومسير جد المسيرية، وله أبناء من أربع زوجات، كما يشير إلى التقسيم الاجتماعي إلى “حيماد بن عطية” أو أخ “عطية” على الأرجح وهم التعايشة والهبانية وبنو هلبة وذلك في مقابل البقارة العطوية أبناء عطية وهم الرزيقات والمسيرية والحوازمة، ويذكرون أن حماد وعطية أخوان ولكنهما مختلفان في أسلوب الحياة طبقاً للمثل السائر بينهم: الساير عطية والمقيم حيماد، بمعنى أن عطية تسير خلف ماشيتها، فهي رعوية، وأن حيماد مستقرّة.
وسام الإنجاز لـ(الأجاويد)
في الجلسة الختامية للمؤتمر، كان معتمد الضعين العقيد شرطة محمد الزين يؤكد على دور لجنة الاجاويد ويدعو إلى منحهم وسام الإنجاز كما اعتبر أن مؤتمر الصلح انطلاقة للتنمية والاستقرار.
ويقول أمير المتانين بعد التوقيع على وثيقة الصلح: “الشكر والتقدير للأخ الأكبر محمود موسى إبراهيم مادبو، هذا المؤتمر لمصلحة ابناء عمومته يأتي بعد 20 عاماً من مؤتمر المسيرية الحمر في الضعين عام 1993، ونحن شاكرين ومقدرين للجميع الذين ساهموا وساهروا، ونشكر أهل الضعين بدون استثناء، ونحن نلتزم بتنفيذ التوصيات بدون كلل ولا ملل.”
أما أمير أولاد هيبان “إسماعيل بشارة الصافي” فقد جاء في حديثه: “طرحوا لنا عدة خيارات لمكان قيام المؤتمر من بينها الخرطوم والأبيض ومكة المكرمة ولكننا اخترنا الضعين، ونحن اختيارنا جاء لأربعة أسباب من بينها أن العورة تحتاج إلى سد باب البيت عليها– في إشارة منه للنزاع بينهم– وأنتم تعرفون أعرافنا وأنتم “سرتنا” وأهلنا، نحن أولاد عطية وحماد وراشد الولاد.”
ويضيف بالقول: “أنتم تأمروننا وما علينا إلا الإجابة والطاعة، واخترنا الضعين تيمنا فيها، ونحن شاكرون للحكومة لاهتمامها بهذه القضية ونؤكد التزامنا بمقررات الصلح.”
أما أمير إمارة أولاد سرور “التجاني محمد أحمد” فهو يقول: “جئنا بمحض إرداتنا يجمعنا الدين ونحن إخوان، وفوضنا لجنة الأجاويد من الرزيقات والمعاليا والبرقد، عندما زارونا في الفولة، ونحن ملتزمون بمقررات الصلح، ولدينا إشارات أخص بها رئاسة الجمهورية، نحن نريد سلاماً كاملاً، وأن تضطلع الدولة بدورها كاملاً، ونريد منهم بعد هذا التوقيع أن يشتغلوا لنا بعودة ولاية غرب كردفان عشان نشوف الجاي منو والما جاي منو.”
هنا ضج الحضور بالضحك من تعليقه الساخر، ويقول رئيس لجنة الأجاويد، وكيل ناظر الرزيقات “محمود موسى مادبو” : نحن أكبر أولاد عطية، وأخوك الأصغر منك إذا أخطأ تناديه في البيت الكبير، وتقدم إليه النصائح، ونحن سقناكم للحق وكانت نصائحنا حارة وغالية وأنتم قبلتم بها، ووجدناكم قدر التحدي ورجال وأوفياء وحادبين على مصلحتكم.”
ويضيف مادبو بالقول: “العريس الصلح، يزف إلى ديار المسيرية، وعروسه تنتظره بقبول الأهل وتعزيز أمنهم واستقرارهم.”
ويوجه حديثه إلى وزير الداخلية “إبراهيم محمود” لحفظ الأمن الداخلي، ويقول: “أنت صمام الأمان وعليك أن تصب مجهودك في أن تدعم الأمن دعماً كبيراً لوقف نزيف الدم، ونحن في لجنة الأجاويد وضعنا شروطاً قاسية لذلك.”
أما رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الناظر “مختار بابو نمر” فقد قال:” من الفرحة الكلام راح مني، ما كنت أتوقع هذا الحل.”
ويشير “عبدالحميد موسى كاشا” إلى أن خطة عمل الأجاويد تعتمد على الزيارات الميدانية لأماكن الأحداث والإصغاء والتحمل (ثقافة السلام) والفصل بين الأطراف المتنازعة، وتعد هذه من الخطوات الأولى يعقبها تحديد زمان ومكان مؤتمر الصلح، ويعتبر ركناً أساسياً في مهام المجلس قبل الشروع في المداولات.
ونواصل غداً إن شاء الله عن أسباب النزاعات القبلية وجلستنا مع أمراء المسيرية، وذلك بعد أن قدمت الصحف السودانية عبر ممثليها في هذا المؤتمر مقترحات لإنشاء الصحافة الاجتماعية التي تؤدي إلى تقوية النسيج الاجتماعي في السودان والإجابة على التساؤلات: ماذا بعد مؤتمر الصلح وكيف ننمي الأرياف والأطراف؟