(اللغة الروسية) في السودان.. هل تعود مجدداً على (صهوة) السفارة؟
لم تكن الوجوه منقبضة ومتجهمة وتسير بخطى متثاقلة كحال العمال عندما يسيرون كل صباح ميممين شطر جدران المصنع الحجري الشاهق الذي ينتظرهم في طمأنينة باردة غير عابئ بالتعب الذي أنهك عضلاتهم وأجهدها كما يصف الأديب الروسي الكبير “مكسيم غوركي” في روايته الخالدة (الأم)، بل على العكس من ذلك تماماً، كانت وجوه الحضور ليلة أمس الأول بمنزل سعادة السفير الروسي بالخرطوم السيد “أنور بيك فزيليانوف” تشع نوراً يضاهي عشرات الكشافات التي أطلت من على فناء الحديقة الملحقة بمنزله الكائن بشرق النيل.
ليلة أمس كانت احتفاءً باللغة الروسية في السودان، حيث شارك فيها طلاب وأساتذة قسم (اللغة الروسية) بجامعة الخرطوم، ورهط من الذين درسوها في بلدها الأم أو تعلموها هنا في الخرطوم، ورغم الفوارق السنية البادية على الحضور، إلا أن الجميع جاءوا بنية المشاركة في نفض الغبار عن لغة كان تعلمها حُلماً يراود كل ذي قدمين وعقل، خاصة إبان (هبوب) رياح الاشتراكية على شعوب العالم الثالث، وقبل أفولها منذ عقدين أو يزيد على وجه التقريب
حتى يُحتفى باللغة.
وفي السياق هذا، لا بد من الإشارة إلى أن اللغة الروسية تعتبر إحدى أوائل اللغات التي أدرجت ضمن المناهج التعليمية في السودان، إلا أن انتشارها ظل محدوداً بين فئتين لا ثالث لهما، الأولى تتمثل في الطلاب الذين ابتُعِثِوا للدراسة في الإتحاد السوفييتي السابق، والثانية الذين درسوها بقسم (اللغة الروسية) التابع لكلية الآداب جامعة الخرطوم.
وربما لعدم ارتباط هذه اللغة مباشرة بحياة الناس في السودان لم تجد (أريكة) تتمدد عليها كغيرها من اللغات الأجنبية التي يقبل عليها السودانيون كالانجليزية والفرنسية، فبدا نجم (الروسية) يأفل في سماء السودان منذ بداية التسعينيات، عندما تم إغلاق (المركز الثقافي السوفييتي) حينه، لكن ذلك لم يكبح جماح حب بعض الذين تعلقت أفئدتهم بها، لذا كانوا يشكلون حضوراً صامتاً في كل المناسبات التي يتوقعون أن تسمع فيها أذانهم كلمة ترحيب بـ(الروسية)، ولهذا السبب ربما كان الحضور ليلة أمس حاشداً في باحة منزل سعادة السفير.
صورة “أبو ذكرى” موشحة بالسواد
وتأكيداً لمكانة (اللغة الروسية) في السودان كما حمل عنوان رقاع الدعوة، كانت قائمة شرف الذين درسوا في (روسيا) حضوراً زينها الشهاب الشعري الذي أفل باكراً “عبد الرحيم أبو ذكرى” الذي تسربلت صورته المرفقة مع سيرته الذاتية بالسواد وكأنها مازالت تعلن الحداد على رحيله القسري الذي ما زال يملأ الحلوق مرارة والأفئدة حزناً عليه.
بجانب “أبو ذكرى” كان الشاعر “تاج السر الحسن” و”بشرى الفاضل” و”فضيلي جماع” والدكتور “محمد الفاتح محجوب”، وكثيرون الذين درسوا (الروسية) ووسموا المشهد الثقافي والفكري والعلمي السوداني بإبداعاتهم اللا محدودة.
أغنيات بحنين الثلوج
رغم حساسية المكان الذين أحييت فيه ليلة الاحتفاء بـ(الروسية)، إلا أن دقة التنظيم والترتيب الذي أتبعه معدو الأمسية، أكد أن للسودانيين شغفاً دفيناً وحباً متيناً لتعلم (الروسية)، وهذا ما ظهر بجلاء من خلال الفقرات التي برع في تقديمها طلاب جامعة الخرطوم، الذين تسيدوا المنصة الرئيسة فور هبوط السيد السفير منها، بعد انتهاء كلمته التي رحب فيها بالحضور ولم يذهب بعيداً عن ذلك.
استهل طلاب قسم (اللغة الروسية) فقرات الأمسية بعدد من الأغنيات الروسية التي تجاوب معها أعضاء (السفارة الروسية) بالتصفيق الحار؛ كأنما ألهبتهم نار الوجد والحنين لتلك الديار التي تتساقط عليها الثلوج معظم شهور العام.
وتعددت الفقرات بين الغناء والشعر والمسرحيات والخطابة وعدد من الفقرات الدرامية الأخرى، التي كانت كفيلة بإعلان مطالبة جماعية ملحة بتنفيذ برتوكول تدشين (المركز الثقافي الروسي) بالخرطوم عاجلاً.