عضو لجنة المعلمين السودانيين بتجمع المهنيين السودانيين “سامي الباقر” لـ(المجهر) (1-2)
(...) هذه هي الأسباب التي جعلت التجمع ينجح في قيادة الثورة
تجمع المهنيين السودانيين بدأ منذ (2013) وظهر دوره جلياً بعد مواكب الخلاص
– أيام الحراك تم اعتقال قيادات الصف الأول والثاني من التجمع ولم يبقَ إلا القليل – ليس للتجمع رئيس والرئاسة أفقية
– شباب (التجمع الاتحادي المعارض) كانوا الأكثر في المعتقلات
كشف عضو لجنة المعلمين السودانيين والمؤسس لتجمع المهنيين السودانيين، الأستاذ “سامي الباقر” عن خفايا التجمع والمصاعب التي واجهتهم إبان الثورة وبعدها، مشيراً إلى أن أول من اعتقل من التجمع هما الطبيب “محمد ناجي الأصم” والمعلم “أحمد الربيع” من لجنتي الأطباء والمعلمين – على التوالي- مشيراً إلى أن التجمع كان يزمع أن يسير موكباً للبرلمان لرفع الأجور للحد الأدنى لثمانية آلاف جنيه سوداني، غير أن تظاهرات عطبرة غيرت مسار الموكب وجعلتهم يطالبون بتنحي النظام بدلاً من المطالبة برفع الأجور ليكون مطلبهم متسقاً مع هدير الشارع وغليانه.. ولفت “الباقر” إلى أن تعذيب المعتقلين السياسيين قد أوقف من المعتقلات بُعيد استشهاد زميله المعلم “أحمد الخير” بسببه، كاشفاً عن أوضاع المعتقلات إبان الحراك الثوري، وأضاف “الباقر” أن الثورة لا تزال مستمرة.. لافتاً إلى أن الصعوبات التي يجدها المواطن الآن بسبب التركة الثقيلة التي خلفها النظام البائد، كما كشف عن الكثير المثير الذي تطالعونه في هذا الحوار: حاورته – نجاة إدريس إسماعيل
} بدءاً.. حدثنا كيف تأسست لجنة المعلمين ومن ثم أصبحت ركيزة أساسية في “تجمع المهنيين السودانيين”؟
– بدأ الأمر باكراً منذ عام 2009م، وذلك عندما ظهرت استقطاعات كثيرة في مرتبات المعلمين وكانت نقابة المعلمين تغض الطرف عن هذه الاستقطاعات وتستبيح أموال المعلمين، وفي عام 2010م ظهر استقطاع آخر باسم صندوق تكافلي للمعلمين، وكان المبلغ المستقطع (6) جنيهات في ذلك الوقت، وتكونت على إثر ذلك لجنة سمت نفسها “لجنة مناهضة الاستقطاعات”، وناهضت اللجنة هذه كل الاستقطاعات الخاصة بالمعلمين ثم صارت تطالب بحقوقهم، وكونت لها لجنة مركزية ومن ثم لجنة تنفيذية، وتكونت لجنة بذات الهيكلة في كل محلية، واستمرت هذه اللجان في العمل حتى عام 2013م، حيث قامت تظاهرات سبتمبر.. وبذات الفكرة تكونت نقابات أخرى لمهنيين من أطباء وبياطرة ومهندسين وصحفيين وأساتذة جامعات.
} إذن من ذلك الوقت ظهرت فكرة “تجمع المهنيين السودانيين”.. أليس كذلك؟
– نعم.. كثيرون يعتقدون بأن “تجمع المهنيين السودانيين” ظهر مع التظاهرات الأخيرة، ولكنه تكون بتجمع كيانات المهنيين المناظرة لتجمع المعلمين، وتكون بصورة فاعلة في عام 2013، ثم استمر الحراك لعامين وكان يرتفع وينخفض تأثيره حسب المد والجزر.
} وهل منذ ذلك الوقت كانت هناك ملاحظات أمنية واعتقالات واختراقات للتجمع؟
– كانت تشن علينا مضايقات، وكانت تحدث منذ ذلك الوقت اعتقالات ونقل تعسفي لكل المسؤولين من اللجنة، ولكن التجمع في ذلك الوقت لم يكن ظاهراً كما حدث في 2018م، وإنما ظهر دوره جلياً في مواكب الخلاص في يناير من العام 2018، وقد تم فيها لقاء بين ممثلين من لجنة الأطباء ولجنة المعلمين، وعندها آثرنا أن نعيد تجربة تجمع المهنيين السودانيين والتي كانت في سبتمبر من العام 2013م، وبعدها تكونت لجان من لجنة المعلمين ولجنة الأطباء والصحفيين والبياطرة ولجنة أساتذة الجامعات وكونت هذه الكيانات الخمسة والتي جاءت بدعوة من لجنة المعلمين ليكونوا “تجمع المهنيين السودانيين”.
} هل تلاقوا بدعوات حقيقية على الأرض؟
– نعم.. حقيقية على الأرض، وقد تم الاجتماع في بيت بشرق النيل، وكنت أنا أحد الحضور ومعي الأستاذة “درية” والأستاذ “علي عبيد” من لجنة المعلمين، ومن لجنة الأطباء كان د.”محمد ناجي الأصم” ود.”حسام”، ومن شبكة الصحفيين الأستاذ “محمد أمين”، وجاء د.”محمد يوسف أحمد المصطفى” كممثل للجنة أساتذة الجامعات، واتفقنا في ذلك الوقت أن نقود التجمع.
} ماذا حدث بعدها؟
– في سبتمبر من العام 2018 كان هناك أول حراك لـ”تجمع المهنيين السودانيين”، وكان النظام وقتها يناقش في ميزانية 2018، وعندها دعت اللجنة الاقتصادية بالبرلمان كلاً من وزارة المالية والاتحاد العام لعمال السودان وتجمع المهنيين السودانيين والمجلس الأعلى للأجور، وجاء كممثل لتجمع المهنيين د.”محمد ناجي الأصم” والأستاذ “عمار يوسف” وقد حضرا اللقاء بالبرلمان والذي كان يناقش قضية الأجور، وقد طالبا برفع الأجور لـ(8) آلاف، وذلك من واقع دراسة عملها “تجمع المهنيين السودانيين”، وفي 25 ديسمبر من العام 2018 كان التجمع ينوي أن يسير موكباً لرفع قيمة الأجور، وقد حشد الجماهير لذلك، ولكن في ذلك الوقت حدثت تظاهرات عطبرة فغير التجمع وجهته، وقال لن نذهب لنطالب بزيادة الأجور وسط التظاهرات والمواطنين الذين يوجدون بالشوارع وبادية عليهم علامات التذمر، فغير التجمع موكبه الذي كان يريد أن يسلم مذكرة للبرلمان لرفع الحد الأدنى للأجور، ليغير مطلبه ليكون المطلب تسليم مذكرة للقصر الجمهوري بدلاً عن البرلمان تطالب بتنحي النظام.
} بعد موكب (25) يناير، ظهر الوجه السياسي للتجمع، وبالفعل سيكون أسفر هذا الوجه عن ملاحقات أمنية.. حدثنا عن هذه الفترة؟
– أولاً.. منذ أن حول التجمع مطلبه من زيادة الحد الأدنى للأجور للمطالبة بتنحي النظام، تلقفت الجماهير البيان، وتحول اتجاه الموكب إلى القصر الجمهوري، فقد لاقت الجماهير البيان برضا شديد، وحتى الأحزاب السياسية باركت هذا الفعل، وحاول النظام أن يضرب هذا الجسم ويشتت مجهودهم عندما أحس بأن الجميع التف حول هذا الجسم، وبدأ يبحث عن قيادات التجمع وجهاز الأمن حينها كان يعرف أسماء بعينها من تجمع المهنيين عبر اللجان التي كانت تعمل على الأرض، ولكن ما لم يعرفه النظام أن أي لجنة كانت تعمل، كان بها رئيس وظل وظل الظل أيضاً، حتى إذا اعتقل أحدهم ناب عنه الآخرون.
} من أول المعتقلين من التجمع؟
– اعتقل النظام أول من اعتقل د.”محمد ناجي الأصم” بعد أن ظهر في لايف، وبعده اعتقل الأستاذ “أحمد الربيع” من لجنة المعلمين ومن ثم بدأت الملاحقات، وفي يوم 31 يناير من العام 2018 اعتقل “عمار يوسف” من لجنة المعلمين أيضاً. } هل أخافت حملة الاعتقالات المسؤولين في اللجان المهنية المختلفة في “تجمع المهنيين السودانيين”، خاصة القبضة الأمنية كانت رهيبة وجعلتهم يأخذون خط رجعة تجاه التظاهرات؟
– لقد عرفنا من خلال تجاربنا مع النظام مواضع قوته وضعفه وعملنا لكل شيء احتياطاته، فقد كان النظام يعتقل ويجعل الآخرين يطالبون بفك أسر المعتقلين بعد أن ينسوا مطالبهم الأخرى، وقد اتفقنا ألا ننسى القضية ولا نطالب بفك أسر المعتقلين مهما اعتقل من اعتقل، ولم نسير أي موكب لإطلاق سراح المعتقلين، وقد قلنا في أحد بياناتنا في شهر يناير، إن المعتقلين لن يخرجوا من المعتقلات حتى يذهب الطاغية إلى مزبلة التاريخ.
} إذن كانت لديكم قراءة مستقبلية تتنبأ بنجاح الثورة رغم الطوق الأمني الحديدي الذي كان يمارس ضد الثوار وقتها؟
– نعم بالتأكيد وقلنا إن محطة هذه الثورة هي إسقاط النظام.
} ولكن بالتأكيد كانت لديكم أسر تمارس ضغوطاً عليكم خاصة وأنه في ذلك الوقت يسمع الكثيرون عن التعذيب والتصفيات الجسدية.. ألم تحاول هذه الأشياء التأثير عليكم؟
– لم نتراجع.. صحيح أن هناك ضغوطاً مارستها بعض الأسر على بعض الأشخاص، ولكن بقيادة التجمع لهذه الثورة جعلت الشعب السوداني بأجمعه يلتف حوله.
} في رأيك لماذا نجح التجمع في قيادة الثورة السودانية حتى كتب له النجاح؟
– أولاً.. خاطب التجمع قضايا الناس.. كذلك ما ساعده على النجاح أن الشارع كان يوجه التجمع، كذلك طريقته في تناول البيانات كانت جيدة ومختلفة، وبهذا استطاع التجمع أن يخاطب قضايا الناس. } أنت كنت واحداً من لجنة صياغة البيانات بجانب “البراق النذير”.. فهل كنتم تقرأون ما يريده الجمهور ومن ثم مخاطبة شبابه؟
– نعم.. فنحن نأتي من الشارع ونكون ضمن الموكب وتكون كتابتنا بحسب الروح التي رأيناها في الموكب.. فنكتب عن القمع والوحشية التي مورست، وبالليل كنا نكتب البيان لتجهيزه للموكب القادم.
} أنتم ككتاب للبيانات وقادة التجمع الآخرين في اللجان المختلفة.. هل كنتم تلتقون على الأرض أم أن لقاءاتكم تكون في الواقع الافتراضي؟
– التجمع كان مقسماً للجان ولسكرتارية، كما توجد لجنة العمل الميداني وهي أيضاً توجد كقروب، فنحن مثلاً في لجنة صياغة البيانات كنت أنا ضمن قروب لم يكن فيه من يعيش بالسودان غيري أنا و”أحمد الربيع”، والأخير تم اعتقاله وقد كان هو الوسيط بيننا والتجمع.
} هذا يعني أنه لم يكن هناك اجتماع على الأرض؟
– لا.. ليس هناك اجتماع أرضي، ولكن كانت هناك اجتماعات أرضية قبيل الحراك الثوري.
} ألم تخافوا من الاختراقات الأمنية.. خاصة عند اعتقال أحدكم؟
– فعلاً.. تم اعتقال الصف الأول كله والثاني كله ما عدا بعض الذين كانوا بالخارج، وبعض الذين كانوا هنا ولم يتم اعتقالهم.. ولكن كان قطار الثورة قد ذهب في طريق التغيير ولن يقف إلا في محطته النهائية.
} وماذا كنتم تفعلون عند الاعتقال؟
– كان يتم تغيير القروب واسمه فوراً، وعندما اعتقلت أنا كان اسم القروب رأي، وكانت تتغير المسميات عند الاعتقالات، فيتغير اسم القروب ويغير الأشخاص أرقامهم.
} هل كل “تجمع المهنيين” بأعينهم يكون لهم قروبهم الخاص بهم، بمعنى قروب للجنة الأطباء وقروب للجنة المعلمين وهكذا؟
– هناك عمل اللجان فـ”كل ناس في مجالهم”، فنحن كلجنة للمعلمين كنا نندد بالاعتقالات التي طالت المعلمين وكنا نتحدث في قطاع التعليم..أيضاً لجنة الأطباء كان عليهم حصر الإصابات والوفيات.
} وهل هناك قروب ليلم شعث جميع هؤلاء المهنيين في كيان كبير؟
– نعم .. وهو قروب مجلس التجمع، وتتم فيه مناقشة كل ما حدث في العمل الميداني، وكان يتم فيه تجريب كل شيء، فلو لاحظت سبق أن تعدل اتجاه الموكب، ويحدث ذلك حسب الحالة، فقد غيرنا مسار الموكب عندما رأينا تطويق الموكب، وحدث أن خرجت خمسة مواكب في نفس التوقيت.
} من الذي يصنع القرارات في التجمع؟
– المجلس..أي مجلس التجمع ويضم شخصين من كل لجنة، ولتوضيح وجهات النظر، فمثلاً عندما اعتقل “أحمد الربيع” من لجنة المعلمين نزل بعده “علي عبيد”، واعتقل “عبيد” فنزل بعده “بشير” وهكذا في كل لجنة.. وعندما تم اعتقالي خلفتني “سنية” من النيل الأبيض، بديلاً لي في لجنة الإعلام.
} هل للتجمع رئيس.. خاصة أن المعزول كان في “أسرار قناة العربية” قد وصف تجمع المهنيين بالجسم الهلامي؟
– ليس للمجلس رئيس.. فالرئاسة أفقية، المجلس كالآتي: يضم ممثلي أجسام ويكون من كل جسم شخصين، وينتخب المجلس سكرتارية وهي التي تقوم بتنفيذ القرارات.
} ولكن في أيام الحراك ظهر د.”محمد يوسف” في إحدى الفضائيات كرئيس للتجمع.. هل هذا الأمر صحيح؟
– لا.. هذه من الإشاعات التي أطلقها النظام البائد وجهاز أمنه كي يضرب الثورة والذي كان يدعي بأن رئيس التجمع “محمد يوسف” الذي ينتمي للحركة الشعبية والحزب الشيوعي.. وللأسف فقد تلقفت تلك الشائعات بعض الصحف وأبواق النظام، وهذا الأمر جعلنا نصر على ظهور “محمد ناجي” في اللايف.
} هل أنتم كقادة في التجمع تنتمون لأحزاب سياسية؟
– ربما واحدة من الأشياء التي قادت لنجاح التجمع، أن المهنيين لم يعرفوا كأحزاب، فقد يكون للشخص حزبه ولكن عندما يأتي للنقابة أو للتجمع يترك حزبه وراءه ولا يستطيع أحد أن يجير التجمع لصالح حزبه؛ لأن ذلك يعتبر خطاً أحمر لدينا، ولا ننسى أن النظام البائد ضعضع الثقة في الأحزاب السياسية، لذلك الشارع السوداني التف حول التجمع؛ لأنه لم يطرح نفسه كحزب.. وبهذا الشكل فقد نجح التجمع في قيادة الثورة، حيث يشترط في نجاح أي ثورة وجود قائد – وليس بالضرورة أن يكون القائد شخصاً – وضعف يظهر في الطاغية، ووجود رغبة حقيقية في التغيير.. وبهذا توافرت كل شروط نجاح الثورة السودانية مع وجود القائد، وهو “تجمع المهنيين السودانيين”. } هل التجمع وقف دوره في إسقاط النظام فقط؟
– التجمع الآن يعمل في حركة البناء بعد أن قام بدوره في إسقاط النظام، والبناء له آلياته أيضاً، والثقة التي وجدها التجمع عندما كان يعمل على الإسقاط قد لا يجدها الآن، ولكننا نريد أن نعيد النظر في التجمع حتى يستطيع المواكبة؛ لأننا إذا أصررنا أن نقود البناء بنفس الأدوات القديمة قد لا نستطيع إلا إذا جددنا الأدوات والأساليب، لذلك نحن الآن نجيب على السؤال الكبير ثم ماذا بعد.
} هل لهذه الأسباب وقف التجمع مراقباً ولم يشارك في الحكومة؟
– نعم.. وقد يعتبر البعض هذه واحدة من أخطاء التجمع ولكل رؤيته، فأنا أعتبر أن عدم المشاركة يكون مراقباً بصورة كبرى لأداء الحكومة، وكنت أريده ألا يشارك في المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري.. وأنا أعتقد أنه إذا لم يكن التجمع مشاركاً في المفاوضات لأكسب هذا الأمر قوى الحرية والتغيير قوة أكثر.
} دعنا نعد بك إلى ليلة اعتقالك، كيف توصل إليك جهاز الأمن وهل تم الاختراق عن طريق الهاتف؟
– تم اعتقالنا وكنا خمسة من لجنة المعلمين، وهم الأستاذ “يس حسن” رئيس اللجنة، والأستاذ “علي عبيد” المسؤول عن المكتب التنفيذي في اللجنة، والأستاذ “حمدان بولاد” وشخصي، والاجتماع كان في منزل الأستاذ “عمر”، وكان هذا أول اجتماع أرضي لنا بعد حراك يوم (25) يناير.