نزلت جائحة كورونا برداً وسلاماً، بساحة السادة الأكارم في تحالف (قحت).. أسدى الفيروس المستجد خدمة كبرى لمستجدي السياسة في حاضنة قحت، وحكومة “حمدوك”.. أنقذ الفيروس الحكومة من سقوط محقق وانهيار مؤكد.. كانت الأزمات قد استحكمت في كل مناحي الحياة، وكانت الحكومة قاب قوسين من السقوط بفعل الأزمات، أو بيد الشعب الذي أحالت حكومة “حمدوك” حياته إلى جحيم لا يطاق.. ولكن الله غالب على أمره..
كانت الطوابير قد تمددت، لتشمل كل الضروريات.. فقد نسى الشعب في ظل حكومة “حمدوك”، ما كان يسمى في عهد النميري والبشير بالسلع الاستفزازية.. لقد أضافت بركات حكومة قحت للطوابير المعروفة، طوابير الدواء، والعصيدة، والكسرة.. لقد كان منظر الرجال والنساء والصبية وهم يساهرون الليالي من أجل حفنة خبز ردئ شيئاً مألوفاً.. لكن أسوأ ما في العهد القحتاوي( اليابس) ، أن الأزمات باتت مفتوحة وبدون حلول، إنها أول حكومة في تاريخ السودان يدخل معها الأمل إلى السوق السوداء.. لقد جفف الدكتور “حمدوك” ينابيع العشم، عند شعب فجر ثورته، فسرقها لصوص الثورات، وحلم بحكومة ثوار، فلم يظفر بغير كوادر مستجدة، يجلسون علي كراسي السلطة، ويقبضون رواتب الدولة، ويفكرون بعقلية الناشطين، وأحلام المعارضين .. لكأنما ركبت( قحت) في عقل أي واحد منهم شريحة إنقاذية يحن معها بالنهار إلى ليالي الوصل بالنادي الكاثوليكي .. وكأنما أدخل “حمدوك” في روع أي كادر شريحة ( كوز) يحلم ليلا بـ(ترس) في عبيد ختم، أو شيوعي يمني النفس باعتصام مفتوح في محيط القيادة..
لقد أسدت كورونا لحكومة “حمدوك” معروفاً.. لقد أنست الشعب الغاضب على حكومته، حاجاته القديمة وأوجاعه الراهنة.. وجعلتها في حل من أي التزام، ولو كنت وزيراً بمجلس الوزراء لمنحت كورونا (وسام النيلين) من الطبقة الأولى.. لقد ألزمت كورونا العالمين بيوتهم.. وفرضت عليهم حظر تجوال مبكر، أحال الخرطوم إلى مدينة أشباح تموت فيها الحياة منذ الثامنة مساء كل ليلة.. وصار بميسور “حمدوك” أن ينام نوم قرير العين، دون أن تطارده أشباح التروس، أو وجه المواكب العبوس.. وصار من حقه أن يقول لكل جماعة غاضبة، إن الخرطوم ليست أحسن من باريس، ولا أم درمان بأفضل من ووهان.. فكلنا لحسن الحظ القحتاوي في كمامة..
رغم أن الحكومة كانت على لسان السيد وزير الصحة، قد أعلنت تحديها للجائحة عبر تصريح صار أشهر هاشتاق (مبوجن) سيدخل التاريخ، باعتباره أنموذجاً للخلط غير المنتج، مابين كلام السياسة، وضرورات الصحة.. لقد أوشك الوزير أن يقول للفيروس (الحس كوعك) عندما أكد قدرة شعبه الذي هزم الطاغية، على هزيمة الجائحة..
إن تصريحات “ود التوم” الجديدة التي أطلقها في ضحى ثوري، تتساوق مع تهديدات قديمة للأمير المهدوي “يونس ود الدكيم”.. ففي ذات ضحوة جهادية، جاء للأمير وهو يومئذ والٍ علي مديرية بربر، من ينعي إليه أخلص جلسائه الذي غرق في نهر النيل في بربر.. وقيل إن الأمير أرغى وأزبد وهدد وتوعد، وهو في حالة جذب، بأنه سيشرب ماء النيل كله، عقاباً له على جريمة إغراق صديقه.. ولكن بعد توسلات من وجهاء المدينة، تنازل الأمير عن خطته بمنازلة النهر الهائج (لأننا نحتاج إليه يا أمير في الزراعة، وفي صيد السمك، وفي الوضوء للصلاة خلف خليفة خليفة المهدي) .. على حد قولهم..
إن جهادية “ود الدكيم” في مواجهة الفيضان، تتضاءل أمام ثورية “ود التوم”، في مواجهة الوباء..
فالوباء الذي ضربت أمواجه أسوار روما، وقصور الأندلس، وقلاع الرومان، وسور الصين العظيم حال وصل للخرطوم – لا سمح الله- لن تصمد أمامه صينية بري، ولا بوابة عبد القيوم..
إن العالم سيعبر إن شاء الله تعالى فصول الفيروس المستجد.. على أمل أن يجتاز السودان عهد حكومة المستجدين.