فنجان الصباح - احمد عبد الوهاب

(كورونا).. هل ستفتح الباب للريح الصفراء؟!

 أحمد عبد الوهاب

(هكذا يبدو العالم تحت حصار كورونا).. هو عنوان تقرير مصور أنتجته (الديلي ميل) عن حالة العالم تحت وطأة الحجر الصحي (كارنتينا) كوفيد ١٩..!!
من أقصى الغرب في “بوسطن” الأمريكية، إلى أقصى الشرق في “بيجين” و”أوهان” في الصين، بدت الشوارع وقد خلت من السابلة، وماتت الحياة في المطارات ومحطات المترو وقطارات الأنفاق، وعلب الليل.. كأنها (دار ندامى عطلوها وأدلجوا) .. هل كان “أبو نواس” هناك حينما غرد قبل ألف سنة ونيف، وهو يبكي على أطلال حانة غادرها الندامى، ولم يزل (بها منهم أثر جديد ودارس).. الثريات الملونة وإعلانات العطور والسلع الاستهلاكية تعمل كالمعتاد، ولا أحد يراها أو يعبأ بها.. وفي فرنسا.. في باريس مدينة النور.. أغلقت المحال التجارية، وماتت الحياة في مقاهي “الشانزليزيه”.. وغادر الزوار قوس الحرية الذي كان للأمس القريب خلية نحل، وكأن رواده من سياح وزوار وعشاق قد (زمت مطاياهم بليل مظلم).. ما خلا لقطة أو لقطتين لمتشرد، أو من به لوثة أو من لا مأوى له.. وثمة قطط تلهو، وقد أمنت من الموت تحت إطارات سيارة مسرعة.. وطفقت طيور الحمام تحلق في ميادين خالية، وشوارع تتشبث بآخر خيوط شمس غاربة، ولا شيء يعكر نقرات زخات المطر على الشرفات.. والشيء نفسه يقال عن مدن إيطاليا وأسبانيا وبلجيكا والمملكة المتحدة، لقد تحولت كلها أو تكاد إلى مدن أشباح.. وقد كانت إلى زمن قريب تضج بالحياة، وتنام على مخدات الطرب في عهود سعد وسرور.. غابت الحياة المخملية فلا عروض أزياء فاخرة، ولا حفلات تزدحم بجميلات  الشاشة ونجوم التلفزة والأثرياء المستعدين لإنفاق آلاف الدولارات، لقاء نخب من الشمبانيا، أو مقابل شطيرة من الهامبيرقر.. لقد باتت الملاعب التي تحتشد بعشاق الكرة الصفراء تشكو من وحشة قاتلة.. لقد تطوع (كورونا) للثأر من المركز الصناعي الغربي الظالم.. إنه يحاول أن يرد بعض مظلومية العالم الثالث.. وهو عالم أراده الاستعمار الأناني الظالم حديقة خلفية.. مجرد مستودع للمواد الأولية.. تحتكر تجارتها شركات عملاقة مقابل أسعار زهيدة.. إن المركز الصناعي لم يكن يتهاون في أي شيء يمس رفاهيته، يريد حياة مرفهة ولو على حساب حياة وشقاء الآخرين.. إن كل ما تمتع به الغرب هو بما حرم منه العالم الثالث.. وفي سبيل ذلك مستعدون في الغرب لغزو دول لإخضاعها لمنطق الشركات الكبرى، كشركات النفط، التي من أجلها غزوا أفغانستان وبعده العراق، وأفقروا نيجيريا، وحاربوا “هوغو شافيز” في شيلي.. وأشعلوا التمرد في السودان.. يريدون للنفط أن يكون في خدمة الأمن القومي الأمريكي.. وبالسعر الذي يحددونه.. وإلا ف(بلاك ووتر) موجودة، ويدها على الزناد..
إن إعصار (كورونا) يمكنه أن يعيد ترتيب العالم. لن يكون العالم بعد (كورونا) كما كان قبله.. إن إعصار (كورونا) في يناير ٢٠٢٠م مثل عاصفة الصحراء في يناير ١٩٩١م.. فمثلما تمخضت عاصفة الصحراء عن نظام عالمي جديد كرس أمريكا قوة عظمى وحيدة.
.. فبإمكان (كورونا) أن يفعل الشيء نفسه.. فلربما برزت الصين كقطب ثانٍ أو ربما انفردت بالصدارة وحدها، وتتقهقر أمريكا إلى المقاعد الخلفية أسوة ببريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الثانية.. إن كثيرين يتوجسون خيفة من صعود إمبراطورية الريح الصفراء.. إن تجربة العالم مع الصين – وأفريقيا أنموذجاً – لا تبشر بخير.. إن الصين تدخل للقاموس السياسي تجربة الاستعمار من خلال الاستحواذ على الأصول السيادية للدول الفقيرة.. إنها تعيد تجربة انجلترا وفرنسا مع مصر في القرن التاسع عشر. إنه استعمار بشع يغطي أطماعه بحماية المصالح وبالديون.. إن خبيراً صينياً منشقاً نعى على أهل السودان استبدالهم الأمريكان بالصين، وقال إنكم كالمستجير من الرمضاء بالنار.. وزاد بقوله إنه يتمنى ألا يعيش حتى يرى الصين قوة عظمى مهيمنة.. ستريكم يومها وجهها الاستعماري العنصري القبيح..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية