أخيراً استجابت السُلطات بالسماح بدخول السودانيين الذين كانوا عالقين بمطارات عدد من الدول الأجنبية بسبب قرار إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية تحوطاً من وباء كورونا، يومان فترة سماح تم تحديدها لدخول هؤلاء العالقين بعد دعوات ونداءات استغاثة من جراء الأوضاع الإنسانية التي عاشها السودانيون هناك، حطت أولى الرحلات في الساعات الأولى من صباح (الجمعة) تبعتها رحلات أخرى من العواصم المختلفة.
أول أمس اختار السودانيون القادمون عبر معبر أرقين عند وصولهم مدينة أم درمان الهرب إلى منازلهم مباشرة دون انتظار أي إجراءات طبية لسلامتهم، غادروا رغم عدم تسلمهم لجوازاتهم، والسبب أنهم علموا بمصير المجموعتين، الأولى والثانية من الذين عادوا عبر البر، حيث مكثت المجموعة الأولى في حجز صحي بالمدينة الرياضية جنوب الخرطوم، دون أن توفر لهم مياه الشرب والأكل والرعاية الطبية المطلوبة، فكادوا يموتون من الجوع بدلاً من كورونا كما ذكر أحدهم، لذلك غادروا المدينة الرياضية رغم الإجراءات التأمينية فلم تجد السُلطات الصحية في اليوم التالي شخصاً لإجراء الفحوصات اللازمة، وتكرر ذات المشهد مع المجموعة الثانية التي تم حجرها في مستشفى الأمل ببحري فلم يجدوا ماءً ولا أكلا واضطر بعض الناشطين للتداعي لتوفير المياه والمأكولات خصوصاً بعد نداء عضو مجلس السيادة “عائشة موسى” وقد كان أهل الخير حاضرين في الزمان والمكان، والمفارقة لهذه المجموعة رغم أنهم داخل المستشفى أن الإجراءات التحوطية لهم لم تكن كافية فقد خرج البعض من المحجوزين لمقابلة ذويهم ومصافحتهم، يحدث ذلك تحت بصر السُلطات الصحية.
حالة مطار الخرطوم توقعت لها أن تكون مختلفة تماماً عما حدث للذين عادوا عبر البر بحيث تكون هناك إجراءات صحية محكمة تتماشى مع حجم وخطورة المرض والدعوة للتحوط من استنفار الحكومة للقطاع الخاص ودعوتها لمنظمة الصحة العالمية، ولكن الوضع بمطار الخرطوم لم يختلف تماماً عن الذي حدث للذين عادوا براً واختاروا الذهاب إلى منازلهم، خرج السودانيون العائدون من الطائرات وكأنهم جاءوا من رحلة سياحية لا أحد منهم يحمل كمامة طبية أو أي من الموانع الواقية، وفي مقابل ذلك لم تكن هناك سُلطة حاضرة لتحول بين هؤلاء القادمين من عواصم الدول الموبوءة وذويهم الذين حضروا لاستقبالهم ومعانقتهم.
يتضح من هذه المواقف وجود حالة من الإرباك المضر داخل وزارة الصحة ما يجعل المواطنين عُرضة لنقل الوباء بدلا من الحيلولة دون ذلك من خلال الإجراءات والتدابير اللازمة وفي هذا ينبغي أن تكون الوزارة في وضع المساءلة لأن مثل هذا الإخفاق دائماً ما تصحبه أضرار يصعب تلافيها.
والله المستعان.