آخر سنوات “البشير” (17)
بعد انتخابات شورى المؤتمر الوطني في أكتوبر 2014م التي كانت نتيجتها المُعلنة والأخرى المخفية تؤكدان رفض قطاع واسع في الحزب الحاكم لإعادة ترشيح “البشير” لدورة رئاسية جديدة في العام 2015م، بدأ الرئيس يبتعد عن الحزب ويقترب أكثر من مدير مكتبه الفريق “طه عثمان” الذي صار قريباً جداً من القيادتين السعودية والإماراتية .
واتخذ الرئيس السابق قرارات سياسية ودبلوماسية كبيرة .. منفرداً مع “طه” ، دون مشاورة قيادات الحزب والدولة، خاصةً على مسار التحالف السعودي – الإماراتي ، ففي سبتمبر عام 2014م أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً باغلاق الملحقيات الثقافية الإيرانية في السودان بدعوى أنها تنشط في نشر المذهب الشيعي . وفي الرابع من يناير عام 2016م فاجأ “البشير” ومدير مكتبه قيادات الدولة والحزب ، قبل أن يفاجأوا العالم ، بقرار طرد السفير الإيراني في الخرطوم وإغلاق السفارة، وسحب سفير السودان من “طهران” !!
لم يشاور الرئيس وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” في القرار الذي صدر على طريقة الرئيس الأسبق “جعفر نميري” الذي اشتهر بإعلان قرارات تعيين وإعفاء الوزراء عبر نشرات أخبار الإذاعة والتلفزيون !
اتصل الفريق “طه” بولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وأبلغه – حسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية- أن السودان قرر طرد السفير الإيراني وقطع العلاقات الدبلوماسية مع “طهران”، تضامناً مع المملكة إثر تعرض سفارتها وقنصليتها في إيران لاعتداءات من قبل متظاهرين ،دون أن توفر السلطات الإيرانية الحماية للبعثة السعودية، وفق القوانين والأعراف الدولية .
سبقت السودان دولة (خليجية) واحدة في قرار قطع العلاقات مع إيران ، هي مملكة “البحرين”،وكان الفارق بين القرارين سويعات ، إذ صدر القراران السوداني والبحريني في يوم واحد ! فيما قررت دولة الإمارات تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى قائم بالأعمال ، ولم تقطع علاقاتها مع جمهورية (الملالي).
واكتفت دول مثل الكويت ومصر وقطر والأردن والمغرب باستدعاء السفير الإيراني لديها وإبلاغه الاحتجاج على الاعتداءات التي تعرضت لها السفارة السعودية في “طهران” والقنصلية في مدينة “مشهد” .
وبالإضافة إلى السودان والبحرين ، قطعت كل من جيبوتي والصومال علاقتيهما مع إيران.
بدا واضحاً للرأي العام السوداني من ذلك اليوم أن “البشير” ومدير مكتبه “طه” قد انفردا بحكم الدولة ، وتركا المكتب القيادي للحزب والأمانة العامة للحركة الإسلامية يتفرجان !!
تباعدت الشُقة بين الرئيس ومساعديه في الحزب ، ولم يعد يثق في كثير منهم ، كما لم يعد هو مقبولاً عند أكثريتهم، وإن نافقه البعض خوفاً من فقدان المنصب ، وجامله البعض الآخر ، حرصاً على دولة قدموا للحفاظ عليها وعلى مشروعها الفكري والسياسي أكثر من (26) ألف شهيد روت دماؤهم أرض جنوب السودان، ورغم ذلك ذهب الجنوب بخديعة السلام، فلا يريدون أن تذهب كل الدولة من بين أيديهم بمفاصلة جديدة مع الرئيس .
لقد ظل هاجس (مفاصلة الرابع من رمضان) يلجم قيادات المؤتمر الوطني عن مواجهة “البشير” لسنوات طويلة منذ ديسمبر 1999م.
كانوا خائفين جداً .. من انشقاق ثانٍ قد يعصف بالدولة التي تعبوا في بنائها وتأسيسها عقدين ونيف ، ولذا كانوا في الغالب يتجاوزون أخطاء “البشير” ويكظمون غيظهم ، يهمهمون ويغمغون في مجالسهم الخاصة، لكنهم لا يصلون معه حد المواجهة في اجتماعات الشورى والمكتب القيادي ، لا في الحزب .. ولا في الحركة الإسلامية . وكان هو أيضاً يحرص على عدم الانقلاب عليهم دفعة واحدة، فهو يعلم أنهم من حوله، عن يمينه وعن يساره، وبمقدورهم الإطاحة به إذا اتفقوا عليه، فكان يخشى منهم ومن اتفاقهم .
نواصل غداً .