أيها السادة.. كيف يستقيم الظل والعود أعوج.. والرأي معتل والميزان مختل.. والإنتاج معطل، والاحتجاج مفعل.. كيف سينصلح حال اقتصادنا من دون خطط جديدة، وخطوات جادة، كيف ننتج إذا كان نصف الشعب في طوابير الجاز والغاز والغذاء.. وإذا وقف النصف الآخر على الرصيف، أو في صالات المغادرة.. من يزرع ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة.. ومن يشغل آلاف المصانع المعطلة.. ومن يخرج بلادنا من نفق استيراد علبة الكبريت الهندية.. إذا كان نصف الشباب في البنادر والنصف الآخر في المهاجر.. ولقد تكرم أحد الإخوة الأفاضل بإطلاعي على صورة لـ(بسبوسة) مصنوعة في تركيا، معروضة في مول عاصمي شهير..
لا حل إلا في خطة جديدة.. وخطوة جادة.. لابد من سياسة تشجع على العمل، تغلق باب الاستيراد، وتفتح نوافذ الأمل، وتبارك الإنتاج، وتمنح المنتجين شهادات البطولة.. ونجوم الإنجاز.. إنني أدعو إلى نهج إعلامي جديد، يوقف كل الغناء العاطفي، ويتحول إلى إعلام إنتاجي، يغني الزراعة والرعي ويعلي من شأن عرق الإنتاج..ويتغزل في أبرول المهندس الميكانيكي أو الزراعي المتسخ أو (لاب كوت) الطبيب البيطري المميز.. لابد من حملات إعلامية محمومة تجعل الراعي السوداني بطلاً، على غرار (الكاوبوي) الأمريكي في أفلام (الويسترن).. إن مستقبل السودان الأخضر يبزغ فجره، يوم تصبح تستوعب مهنة الرعي والزراعة خريجي الجامعات الخاصة والشهادة العربية.. ويصبح شاغلوها، لا المغتربون محط آمال الصبايا.. ويكونوا هم لا تجار الكرين فرسان أحلام العذارى..
إنني أحلم بإستراتيجية تحقق أماني الشباب، وأحلامه العذاب، وتحول حمى الذهب إلى حب القطن والقمح.. وتغير الكليات النظرية العقيمة إلى كليات تخرج منتجين وفنيين، وتعطي دروساً حتمية في الزراعة حتى لكليات العسكر.. إنني أتطلع لقيام دعم سريع من شأنه أن يساهم في دعم تطلعات الشباب.. ويجعل طريق الأحلام يمر عبر بوابة الإنتاج الزراعي والصناعي.. إنني أتمنى على القائد “حميدتي” أن بجعل من الدعم السريع قوة منتجة تحمل قناديل الذرة بيد، والرشاش بيد أخرى.. إن شعبنا يحلم بأن تبتلع حقولنا الخضراء، ومراعي بلادنا الفسيحة، ومروجها السندسية في البطانة والقضارف والدالي والمزموم شباب السودان.. عوض أن تبتلعهم رمال الصحراء الكبرى، أو أمواج المتوسط..
إن أزهى عهود السودان تشرق شمسها، يوم يحقق الإنتاج الزراعي وأعياد الحصاد أحلام الشباب.. كما فعل مشروع الجزيرة والمناقل نحواً من نصف قرن.. نريد للإنتاج الزراعي والصناعي أن يكون رافعة وطنية تمزق فاتورة الاغتراب في الخارج، وبيع المساويك بالداخل.. دعونا نتطلع لعهد تحقق فيه الزراعة مداخيل بالعملات الصعبة، وتنقذ عملتنا من أزمتها الصعبة، وتصنع عودة طوعية جماعية للداخل، من كل المهاجر.. وإلى حكومة حكيمة يقودها رجال دولة، لا موظفو منظمات دولية.. وإلى خطة ينفذها أهل السوق، لا الأفندية..
من المستقبل أن ينشر أشرعته لشباب يغيرون (هاشتاقات) الاحتجاج إلى صور لمعارض الإنتاج.. ويعيد ميادين الاعتصام إلى دورها كحاضنة لبينالي ومسارح تبشر بقيم العمل والخير وزمان الرخاء..
إنني أحلم بدولة تعيد تمليك ملايين الأفدنة في الأرض اليباب، إلى الشباب.. وتعهد إلى مؤسسات مالية مقتدرة بمهمة تمويلهم.. إن دوراً كهذا يمكن أن تنهض له شركات وطنية مثل زادنا العالمية.. لكي تستثمر في طاقة الشباب.. وتحقق الحلم السوداني بجعله مطمورة أفريقيا، وصومعة العالم العربي.. إن العالم مقبل على مجاعة طاحنة.. ومن حولنا من الأفارقة دول جائعة، وبإمكان السودان يومها أن يجعلها تجارة تخرج بالباب العديل بدل أن تخرج بالتهريب.. وتبرد بالتبادل والمصالح حدوداً ساخنة بسبب جوع البطون وشبع البنادق..
يا له من بلد غني لو وجد شعبه حكومة، ووجدت أرضه خريفاً، و وجدت حقوله أذرعاً خضراء. وتقاوي وتقوى وجرار..