حوارات

الشيخ “أحمد التجاني الشيخ أحمد البدوي” في حوار مع (المجهر)

الدجالين هم الذين ينتسبون إلى الصوفية ليحتمواْ بهم ويخفواْ دجلهم

لقاء النبي “موسى” و”الخضر” في مقرن النيلين بالخرطوم مصدره كتاب (السودان وطن الأنبياء)
التصوف بدأ يتضاءل لانشغال الخلفاء بالسياسة وابتعادهم عن زواياهم ومساجدهم
السبب في انتشار السحر طلب المال بأسهل الطرق وأسرعها وضعف التدين

حوار: عبد الرازق الحارث

الشيخ “أحمد التجاني الشيخ أحمد البدوي” ، ولد بمدينة الرهد أبودكنة، درس القرآن الكريم بخلوة جده الشيخ “أحمد البدوي” بالرهد أبودكنة، تخرج من خور طقت الثانوية في السبعينيات .
أخذ الطريقة التيجانية على يد الشيخ “محمد شريف يحيى” ثم أصبح خليفة للسجادة التيجانية بالرهد أبودكنة خلفاً لعمه الشيخ “حسين الشيخ أحمد البدوي” وإماماً بالمسجد العتيق.. كاتب صحفي بالصحف السياسية اليومية تتناول قضايا الوضع الراهن.
وللمؤلف مؤلفات منها المطبوع ككتاب (رسالة إلى الباحثين عن الحقيقة) مترجم إلى تسع لغات من اللغة العربية إلى الإنجليزية، الفرنسية، الصينية، الروسية، الألمانية، الهولندية، الإسبانية واليابانية، وكتاب (الشرح الواضح لجوهرة الكمال وصلاة الفاتح)، وكتاب (سبل السلام في الصلاة على خير الأنام)، وكتاب (التبيان أن صلاة الفاتح ليست أفضل من القرآن)، وكتاب (التصوف رهبانية ابتدعوها أم سنة اندرست فأحيوها)، ومنها ما هو تحت الطبع ككتاب (هؤلاء مدحوا النبي الأمي من الصحابة والتابعين ومن المتأخرين والأوربيين) و(هل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف احتفال بقيم تنزلت أم احتفال بشخصية أدت رسالتها) .

ما هي نظرتك للتصوف في السودان؟
ــ إذا كان الحديث عن تاريخ التصوف لا شك أن التصوف كان له أثره الكبير في سلوك المجتمع السوداني وتشكيلته، مما جعله مجتمعاً متماسكاً ذابت فيه القبلية والجهوية وكثير من زعماء السودان المشاهير ينتسبون إلى بيوت صوفية كالإمام “المهدي” والزعيم “الأزهري” و”سوار الذهب” والدكتور “عبد الله الطيب” وغيرهم، أما إذا كان الحديث عن التصوف المعاش فإنه قد بدأ أثره يتضاءل نسبة لانشغال الخلفاء بالسياسة وحركتهم وابتعادهم عن زواياهم ومساجدهم، فأهمل الأتباع الأوراد وقلَّ الإقبال على أخذ الطريق.
هنالك اتهامات للصوفية بأنهم أصبحواْ ينتجواْ الدجل والشعوذة؟
ــ هذا الاتهام عارٍ من الصحة، بل الدجالين هم الذين ينتسبون إلى الصوفية ليحتمواْ بهم ويخفواْ دجلهم، أما إذا كان المقصود بالدجل علاج الممسوسين وغيرهم، فهذا له ما يسنده من الشرع من رقية وغيرها.
حدثنا حول الطريقة التيجانية بالسودان والدور الذي قامت به في نشر الإسلام؟
ــ الطريقة التيجانية دخلت السودان في القرن التاسع عشر وكان لها دورها الكبير في نشر العلم والطريق على سبيل المثال لا الحصر كالشيخ “محمد ود دوليب” في “خرسي”، والشريف “عبد المنعم” في “أم سعدون”، والشريف “محمد المختار” بأم حراحر، والشيخ “مجذوب مدثر الحجاز” بأم درمان، والشيخ “أحمد البدوي” بالرهد أبودكنة، وغيرهم كثر لم تسعفنا الذاكرة لذكرهم.
ما هي نظرة الإسلام لليهودية؟
ــ الإسلام يعترف بكل الديانات السابقة ورسلها ولكنه جاء ونسخها وهيمن عليها وهو الدين الخاتم .
ما هو تقييمك للقاء الفريق “البرهان” ورئيس الوزراء الإسرائيلي؟
ــ اللقاء يكون صحيحاً إن لم يكن هناك حرب مشتعلة وأرض محتلة وشعب مشرد والآية تقول: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة] واليهود يفعلون كل ذلك من قتل وتشريد واحتلال للأرض.
٦/السحر انتشر في السنوات الأخيرة ما هي الأسباب وما المخرج من ذلك؟
ــ السبب في انتشار السحر طلب المال بأسهل الطرق وأسرعها، وضعف التدين، وعدم مخافة الله، وهو من السبع الموبقات ويأتي بعد الشرك بالله.
هنالك أحاديث بأن نبي الله “موسى” من شمال السودان وأن مملكة كوش القديمة في جبل البركل؟
ــ لم نقف على هذه الأحاديث والله أعلم.
ما هي رؤيتك للوضع السياسي الراهن بعد سقوط “البشير” ومجيء حكومة حمدوك؟
ــ الحكومة انشغلت بأشياء جانبية لم يخرج الشعب السوداني من أجلها كمحادثات السلام التي لم تصل حتى الآن لنتيجة، والحكومة لم تكن معنية بالسلام، لأنها لم تتسبب في المشاكل التي حملت الحركات السلاح من أجلها وكذلك التحدث عن المحاصصات بنسب مئوية يؤدي إلى مزيد من القبلية والانشقاقات، وقد تبرز كل قبيلة تطالب بنصيبها المئوي، والتحدث عن المدنية، كل هذه الأشياء من اختصاصات الحكومة المنتخبة حتى التطبيع مع إسرائيل.
ما هي نظرتك لدعوة رئيس الوزراء “حمدوك” لتدخل القوى الدولية وفق الفصل السادس؟
ــ هذه خطوة غير موفقة لأنها تدل على عجز الحكومة عن إدارة شئون البلاد، وتمس سيادة الدولة واستقلالها، كما تدل على عدم الاستقرار بعد أن بدأت الشركات والحكومات في الإقبال على السودان للاستثمار وهذا يجعلها تتردد ويزيد من خوفها.
هنالك أزمة معيشة ما هي روشتة الخروج من هذا المأزق الحالي؟
ــ أولاً: الرجوع لله سبحانه وتعالى والاستغفار والدعاء لأنه بيده كل شيء، ثانياً: على الحكومة أن تولي هذا الأمر اهتماماً بالغاً لأننا حتى هذه اللحظة لم نرَ خطوة جادة في هذا الاتجاه، والأسعار مستمرة في التصاعد بطريقة جنونية مخيفة، ونخشى أن تكون هناك طباعة للعملة دون علم بنك السودان، فهذا الأمر يستحق الوقفة عنده والله المستعان وعليه التكلان.
الماسونية خطر يهدد الشباب؟
ــ تتصف هذه المنظمة بالسرية والغموض الشديدين خاصةً في شعائرها مما جعلها محط كثير من الأخبار حول حقيقة أهدافها، في حين يقول الكثير من المحلّلّين المتعمقين بها أنها تسعى للسيطرة على العالم والتحكم فيه وتوحيدهم ضمن أفكارها وأهدافها، كما أنها تتهم بأنها “من محاربي الفكر الديني” و”ناشري الفكر العلماني حينما يؤكد الكثير من المحللين في الشرق الأوسط أنها تابعة لتنظيمات صهيونية استناداً للكثير من العقائد والأفكار المتشابهة معها”.
وقد نال السودان نصيبه منها وعلى المعنيين بالأمر أن يبصرواْ الشباب بخطورة هذا التنظيم خاصة المشايخ والدعاة وأئمة المساجد.
عبدة الشيطان طائفة ظهرت في السودان يعبدون شروق الشمس وغروبها؟
ــ ليس لدينا معلومات كافية عن هذا الموضوع، وإنما نسمع بها ولا نعرف لها مقراً ولا مكاناً.
حرق القباب الذي حدث مؤخراً من وراءه؟
ــ الاتهام في الغالب موجه إلى الجماعات المتشددة من التكفيريين والتفجيريين، وهذا الأمر انتشر انتشاراً واسعاً في ليبيا والسودان وغيرهم، مما يستدعي الحذر ومواجهتهم.
ما هي مشروعية بناء القباب من الكتاب والسنة؟
ــ القباب موجودة من قديم الزمان كما الآثار وغيرها وكهف أصحاب الكهف موجود إلى الآن وبه مسجد، وضريح سيدنا “شعيب” موجود بالأردن، وأنا شخصياً زرته، وقبر الصحابي “ضرار بن الأزور” موجود بالأردن كذلك، والدليل الأكبر قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبته، وقد دفن معه صاحباه، ولم يجرؤ أحد من الصحابة أن يزيل هذه الآثار، وضريح “الحسين” والإمام “الشافعي” بمصر، وهؤلاء كلهم يعتبرون من السلف ومعهم كثر من الذين لهم قباب، ولم يعترض أحد على بناء هذه القباب حتى ظهر المذهب الوهابي قبل مائتي سنة بقيادة “محمد بن عبد الوهاب” وأزال كثيراً من الآثار الإسلامية والقباب.
وقد اختلف العلماء في مشروعية بناء القباب ما بين الكراهة والمنع ونورد هنا قول أئمة المالكية:
جاء في (شرح مختصر خليل) للخرشي: وهو يشرح قول العلامة “خليل” في مختصره – وهو يتحدث عن البناء على القبر- “وجاز للتمييز”. قال الخرشي في شرحه لهذا النص “فإن قصد بالبناء التحويز والتمييز جاز، وظاهره سواء كانت الأرض مملوكة، أو مباحة، أو مُسَبَّلة للدفن، وهو الذي يفهم من كلام اللخمي وغيره”[4].
وقال الحطاب: “قال “ابن بشير”: وينهى عن بنائها – يعني القبور- على وجه يقتضي المباهاة…. وأما البناء الذي يخرج على حد المباهاة فإن كان القصد به تمييز الموضع حتى ينفرد بحيازته فجائز، وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره فحكي أبو الحسن عن المذهب قولين: الكراهة، وأخذها من إطلاقه في المدونة، والجواز في غير المدونة، والظاهر أنه متى قصد ذلك (أي تمييز القبر عن غيره) لم يكره، وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به علامة، وإلا فكيف يكره ما يعرف به الإنسان قبر وليّه، ويمتاز به القبر حتى يحترم، ولا يحفر عليه إن احتيج لقبر ثان”[5].
ثالثا: من كلام المالكية أن علة الحرمة عندهم هي المباهاة والتفاخر فحيث انتفى ذلك انتفى الحكم معه لأن علة المنع والنهي عن البناء على القَبور هي إرادة الفخر والمباهاة والسمعة، وحين يكون البناء للتمييز تنتفي العلة، والحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً.
أما عن حكم هدم الأبنية والقباب حول القبور: إذا ثبت أن البناء حول القبور وعليها جائز لا حرمة فيه، وإنما غاية ما فيه أنه قد يكون مكروهاً عند بعض العلماء ظهر بذلك حرمة هدم هذه الأبنية وهذه القباب، وعلى فرض كراهة البناء أو حرمته فإن الهدم لا يجوز أيضاً وذلك لأن الهدم فيه انتهاك لحرمة الميت، ومعلوم أن انتهاك حرمة الميت أعظم من بقاء بناء عليه، وقد رأينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهدم الكعبة المشرفة ليبنيها على قواعد “إبراهيم” عليه الصلاة والسلام خشية الفتنة، فعن عائشة _رضي الله عنها_: أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال لها: (يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ) متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ في “فتح الباري”: “ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة”[16].
وقال الإمام النووي _رحمه الله_ في “شرح صحيح مسلم”: “وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة، بدئ بالأهم؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أخبر أنَّ نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا”[17].
ولو كان الهدم واجباً لأقره الصحابة الكرام والتابعون وغيرهم من جماهير العلماء سلفاً وخلفاً حيث فتح المسلمون بلاداً كثيرة كان فيها قبور ومبان على قبور ولم يرد أن أحداً من المسلمين أو العلماء بما فيهم من الصحابة و التابعين أمر بهدمها، فقد دخل المسلمون مصر وفيها من المباني حول القبور وعليها الكثير ولم يرد أن أحداً من المسلمين أمر بوجوب هدمها هذا مع كونها أبنية على قبور غير المسلمين فكيف بقبور المسلمين والأنبياء والصالحين، وهذه الأبنية وخاصة على قبور الأنبياء والصالحين موجودة في بلاد المسلمين منذ عصور طويلة ومر على هذه الأمة من العلماء الجهابذة الذين لا يخافون في الله لومة لائم ولم نر منهم إنكاراً على وجودها فضلاً عن الأمر بهدمها [18]، فيكون ذلك إجماعاً منهم على بقائها والإجماع حجة معتبرة، ولو وجد بناء على مقبرة أو مشهد في مقبرة ولم يعلم أصله هل بني على مقبرة مسبلة أو مملوكة فالأصل عدم هدمه وإبقاؤه جاء في حاشية البيجيرمي ما نصه: “ولو وجد بناء في أرض مسبلة ولم يعلم أصله ترك لاحتمال أنه وضع بحق قياساً على ما حرروه في الكنائس ومن البناء الأحجار التي جرت عادة الناس بتركيبها. نعم استثنى بعضهم قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ونحوهم، برماوي. وعبارة الرحماني: نعم قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقبة الأحياء للزيارة والتبرك، قال الحلبي: ولو في مسبلة، وأفتى به، وقال: أمر به الشيخ الزيادي مع ولايته”[19]، وبمثله قال الجمل في حاشيته حيث جاء فيها ما نصه: “واعلم أنه لو وجد بناء على قبر في مقبرة جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها وشك هل حدث بعد جريان عادتهم بذلك فالوجه الذي لا يجوز غيره أنه لا يجوز هدمه ولا التعرض له ؛ لأن الأصل احترامه ووضعه بحق ولعله حصل فيها قبل أن تصير مقبرة لأهل البلد”[20].
أضف أن القول بوجوب هدم البناء بعد اطلاع العلماء عليه وسكوتهم عليه فيه طعن لعلماء الأمة وسلفها بقبولها بحرام أو شرك أو نحو ذلك وهذا فيه مخالفة لسبيل المؤمنين ومخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تجتمع أمتي على ضلالة “ومخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن”.
هنالك مؤلفات تؤكد أن نبي الله “الخضر” قابل سيدنا “موسى” في مقرن الخرطوم؟
ــ المشهور في هذا الأمر معلومات تم أخذها من كتاب: (السودان وطن الأنبياء) لمؤلفه: الأستاذ “مختار عبد السلام” والله أعلم بصحة ما جاء فيه.
مستقبل التصوف في السودان؟
ــ سوف يكون للتصوف مستقبل إن شاء الله إذا واكب خلفاء السجادات وعاصروا وقدموا التصوف بفهم جديد وعلى مواعين جديدة حتى يغيروا هذا الجيل لأخذ الطريق والأوراد وترك التحدث عن الآباء والأجداد والخوارق والكرامات والتي أصبحت لا تقنع أحداً والشباب يريدون الإقناع بالحال والمقال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية