الخرطوم ـ رقية ابوشوك
الساعة الثانية عشرة من ظهر أمس (الخميس) كان هو موعد المؤتمر الصحفي الذي دعت إليه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بـ(وكالة السودان للأنباء)، وذلك على خلفية الاتهامات التي راجت خلال الأيام الماضية لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي والجهات ذات الصلة باستيراد سلع إستراتيجية، وفق عقود معلنة مع الوزارة، حيث أكدت الوزارة هنا أنها لن تحجم عن الاعتراف بأي خطأ والإعلان عنه حال ثبوته بالوثائق والأدلة… ومن أجل تبيان هذه الحقائق كان المؤتمر الصحفي الذي ضم إلى جانب الوزير ممثلاً لبنك السودان المركزي ووكيل المالية والتخطيط الاقتصادي “آمنة سعد عمر” ومدير إدارة السلع الإستراتيجية بوزارة المالية “علي عسكوري”، كما شهد المؤتمر الصحفي غياباً لشركة (الفاخر) حيث كان من المنتظر مشاركتها وحضورها.
أيضاً حضر المؤتمر الصحفي ممثلون لشعبة الذهب، وجمع غفير من الصحفيين ومراسلي القنوات الداخلية والخارجية، حيث امتلأت القاعة بالحضور المبكر، مما أدى إلى أن يظل البعض (واقفاً) على (رجليه) حتى انتهاء المؤتمر الصحفي الذي استمر لأكثر من ساعتين.
شهد المؤتمر الصحفي فوضى كبيرة أدت إلى مغادرة عدد من الصحفيين، وفقد مقدم المؤتمر الصحفي السيطرة على الوضع، وتدخل المدير العام لوكالة السودان للأنباء لحسم الفوضى عن طريق تنظيم الفرص، ورغم ذلك استمرت الفوضى، كما لازم المؤتمر تشويه في الصوت للفضائيات التي قامت بالنقل المباشر، واستمر الوضع في عدم الاستقرار عندما شهد ملاسنات بين رئيس شعبة مصدري الذهب السابق “عبد المنعم الصديق” وممثل لجنة تسيير شعبة الذهب “هيثم تبيدي” واستمرت الملاسنات إلى أن أعلن مقدم المؤتمر الصحفي انتهاء أجل المؤتمر الصحفي، بعد أن اعتذر وشكر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د.”إبراهيم البدوي” وذلك في الوقت الذي طالب فيه أحد الصحفيين وزير المالية بتقديم استقالته، بينما أشار آخر بتضليل الشعب السوداني عن طريق خبر تجديد رفع العقوبات الاقتصادية المرفوعة عن السودان منذ 2017م، عندما قال وزير المالية إن الدولار قد انخفض إلى (84) جنيه بعد قرار تجديد رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، وقال الوزير هنا: (نحن لا نسعى إلى تضليل الشعب السوداني)، مشيراً إلى أن السوق الموازي به الكثير من المضاربات، إذ إنه وبمجرد نشر هذا الخبر انخفض الدولار.
وزير المالية الذي بدا متماسكاً بالرغم من الفوضى العارمة أجاب في رده على الأسئلة (إنني امتلك جوازاً سودانياً وليس لديَّ أي جواز آخر، كما أنني أقيم في منزلي الخاص، ولم أستلم أي مبلغ حكومي لأجري صيانة لمنزلي)، وعندما طالبه صحفي بالاستقالة، قال: (أنا لست حريصاً على البقاء في هذا المنصب). وقال: (أنا جندي في هذا العمل تلبية للثورة، جئنا بمنهج ديمقراطي وليس استقصائياً)
البلاد تمر بوضع استثنائ:
د.”البدوي” تحدث في بداية المؤتمر الصحفي عن قضايا التعاقد والشراء للسلع الإستراتيجية، وعلاقة وزارة المالية والطاقة والتعدين وبنك السودان المركزي بذلك. وأضاف: (أود أن أقول هنا إننا نمر بوضع استثنائي رغم مجهوداتنا واعترافنا ولكننا لن نألو جهداً). وزاد بالقول: (اسمحوا لي أن أعمل مقارنة مختصرة)، مشيراً هنا إلى أن الاقتصاد السوداني يعتبر اقتصاداً مأزوماً منذ انفصال الجنوب في العام 2011م، حيث فقدت البلاد ثلث الناتج المحلي، وفقدت (75%) من الإيرادات الحكومية. وقال إن النظام البائد بدد ثروات النفط، ولم يتهيأ للانفصال حتى بات الاقتصاد مريضاً، وأصبح كالمريض الذي لم يتناول الأدوية واستبيح وحدث تجريف للرصيد الاقتصادي حتى قامت الثورة. وزاد بالقول: (لذا يجب أن تعالج الأزمة الكلية للاقتصاد بإزالة التشوهات). وتناول أيضاً العقوبات التي كان لها تأثير، مشيراً إلى أن السودان لم يتلقَّ أي دعم إلا من السعودية والإمارات. وأضاف: (نحن شاكرون لهم).
وحسب الوزير فإن وزارته ورثت أوضاعاً كارثية من النظام السابق أبرزها الفجوة التمويلية الكبيرة في النقد الأجنبي المطلوب لمقابلة استيراد السلع الإستراتيجية خاصة القمح والوقود والأدوية، حيث تبلغ فاتورة هذه السلع الشهرية مجتمعة (302) مليون دولار، الوقود (212) مليون دولار، والأدوية (54) مليون دولار، والقمح (45) مليون دولار، مشيراً إلى أن هذا الوضع استمر خلال فترة المجلس العسكري التي سبقت تكوين الحكومة الانتقالية.
لهذه الأسباب جاءت (الفاخر):
ووفقاً لـ”البدوي” فإن الأسبوع الثاني من ديسمبر 2019م بلغ مخزون القمح مرحلة حرجة، وتعذر على بنك السودان توفير النقد الأجنبي لدفع تكاليف (50) ألف طن متعاقد عليها بواسطة المخزون الإستراتيجي، مما أجبر وزارة المالية للبحث بصورة عاجلة عن مصادر من جهات داخلية لسداد قيمة الشحنة ،وأجرت الوزارة عدة اتصالات مع قيادات الدولة ومع رجال الدولة لتوفير المبلغ المطلوب، وهو (28) مليون دولار، فبادرت شركة (الفاخر) بدفع المبلغ على أن تسترده بالعملة المحلية. وأضاف: (وإغلاقاً لمنفذ شراء الدولار من السوق الموازي، فقد خاطبنا بنك السودان المركزي بضم شركة (الفاخر) لسجل الشركات العاملة في تصدير الذهب).
وزارة المالية أكدت هنا: (إنه لا يوجد أي اتفاق مع شركة (الفاخر) سوى هذه الترتيبات التي لم تخرج من السياسة المعلنة في منشور بنك السودان). وزادت: (إن مجال الذهب مفتوح لجميع من يعملون في المجال حسب اللوائح والضوابط المنصوص عليها في منشور بنك السودان). وقالت الوزارة في بيان توضيحي تم توزيعه خلال المؤتمر الصحفي للصحفيين: (إن دور المالية هو توفير الأموال للتعاقدات المختلفة التي تقوم بها الوزارات الحكومية من خلال إدارة الشراء والتعاقد في الوزارة)، كما ترى الوزارة حسب بيانها أن السياسة الجديدة لصادر الذهب واستغلال عائداته لاستيراد السلع الإستراتيجية هي السياسة الأنسب على خلاف السياسة السابقة القائمة على احتكار التصدير والاستيراد. وأوضح وزير المالية هنا أهمية توسيع مظلة شراء الذهب، مشيراً إلى أن وزارته تشتري الحصائل بموارد حقيقية، حيث تم إنشاء حساب خاص ببنك السودان المركزي لتمويل هذه المشتريات.
وحسب الوزير فإن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد أدت إلى ذلك. وأضاف: (نحن ننفذ سياسة الدولة بتوافق تام وليس بمعزل). وقال: (كل من لديه اتهامات لشركة الفاخر فهنالك نيابة وقضاء مستقل، والكل ليس فوق القانون فحتى (أنا) لست فوق للقانون).
وقدم الوزير خلال المؤتمر الصحفي اعتذاره للشعب السوداني في عدم القدرة في ظل هذه الظروف الاستثنائية لاستقرار سعر الصرف وكبح جماح التضخم وعدم القدرة على الإنجاز بالسرعة المطلوبة، إلا أنه أكد: (بدأنا معالجة الأزمة التي تمت بفعل فاعل).
وتناول د. “البدوي” تهريب الذهب عبر المطار، حيث أكد أن هنالك ضوابط وخطة أمنية محكمة للحد من التهريب، مشيراً إلى أن لجنة التمكين أعادت (29) منزلاً ومركزاً تجارياً، كما أن إعادة الأموال المنهوبة بالخارج ستتم وفق عمل عدلي بسرية تامة لأنها تتعلق بدول
وتحدث في المؤتمر الصحفي كذلك مدير إدارة السلع الإستراتيجية بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي “علي عسكوري” الذي أكد أن وزارة المالية ليست فاسدة، وأن أي شخص يطلق أي اتهامات على وزارة المالية سنتخذ ضده الإجراءات القانونية. وأضاف: (نحن لا نقبل الطعن في منسوبينا). وقال: (ليس لدينا أي علاقة على (جنبة) مع الفاخر وليست لدينا معها أي علاقة تفضيلية)، مؤكداً أن الصادر مفتوح للجميع. وأضاف: (زمن الغتغتة انتهى).
تحدث أيضاً ومثل بنك السودان المركزي ووكيل المالية والتخطيط الاقتصادي “أمنة سعد عمر”. وأعطت الفرصة لرئيس شعبة مصدري الذهب السابق “عبد المنعم الصديق” الذي طالب بفتح المجال لكل الشركات لتصدير الذهب، بينما اتهمه “هيثم تبيدي” بأنه حتى الآن لم يقو بالتسليم والتسلم، من أجل بدء العمل التصديري للذهب، الأمر الذي إدى إلى ملاسنات في ما بينهم بسبب هذه الاتهامات.