رأي

عابر سبيل

وجهاً لوجه مع “كوهين صيدون”!!

في يوم 15 سبتمبر 1995م، كنت في حجرة العمليات داخل مستشفى “طرف الصباح” في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا.. وقد وصلت إلى هناك الليلة السابقة لإلقاء محاضرة أمام مؤتمر الكتاب الأفارقة، ووجدتني أنظر إلى شاشة على الحائط ويحيط بي ثلاثة أطباء من البيض وشيخهم يوضح لي الخيارات الثلاثة، الخطر وغير المضمون والآمن، وعنَّ لي سؤاله – عن خوف حقيقي – وأنا هناك وحدي لا صديق ولا قريب أو رفيق، كم عملية مثل هذه أجرى قبلاً.. وأستكثر السؤال فانتفض قائلاً: أنا “كريستيان برنارد”، فقلت له بأن ذلك معناه أني في أيدٍ أمينة، فسألني إن كنت أعرفه، فقلت له من لا يعرف أول طبيب زرع قلباً في العام 1967م؟، وبانت على وجه الرجل إمارات الارتياح فعمد إلى القذف بصندوق الدخان خاصتي والولاعة في صندوق القمامة وهو يحذرني، إن كنت ستدخن بعد هذه العملية، فلا تضيِّع وقتي، ولا تضيِّع نقودك.. وكنت حينها أدخن ثمانين لفافة تبغ في اليوم الواحد.
ونجحت العملية بمساعدة ثلاثة من بيض جنوب أفريقيا من زملاء الإعلام، “جون دفندورف” و”جنيهن ولينيول ويليامز”.. لكن المفاجأة كانت وقوف طبيب قصير القامة أمام باب حجرتي، وهو يدق عليه بأدب شديد، وسألني: ممكن أدخل؟ فقال لي: اسمي “كوهين صيدون” ومعنى ذلك أنه إسرائيلي) فقلت له من يكون؟، فأفادني بأنه ضمن فريق الدكتور “برنارد”، فسمحت له بالدخول.
بدأ حديثه معي بأنه معجب بشجاعتي لأني أجريت عملية خطرة، وأنا وحيد.. وأني ذكرته بوالده النائب في الكنيست الإسرائيلي وهو صديق للرئيس “السادات” والصحافي “أنيس منصور” ثم فاجأني بأن مهمته هو أن (يمشيني) في الحجرة، ولم يمر على إجراء العملية (48) ساعة.. وبينما هو خارج سألني إن كنت سأروي ذلك الموقف لأهل السودان.. ولما تعجبت قال لي: من المهم أن يكتشفوا الجانب الإنساني فينا!
وقد أكون رويت قصة “كوهين صيدون” معي في حدود ضيقة، لكني اليوم أكتبها للجميع، بعد أن أصبحت مسألة (التطبيع) بين السودان وإسرائيل مثار نقاش وجدل بين مؤيد ومعارض.. ويبدو أن الاقتراب من (التابو) لم يعد فيه سرية أو علنية، لأن الغلبة في نهاية المطاف للمصالح.. والواحد لا يكاد يصدق أنه قابل إسرائيلياً وجهاً لوجه قبل خمسة وعشرين عاماً، وذلك سبق.. لكن ما كان مقبولاً البوح به علناً لأن الدولة الإسرائيلية مغتصبة وفعلت الأفاعيل بإخوتنا في فلسطين واحتلت القدس.. لكن النغمة اليوم شابتها متقاطعات ومفاهيم جديدة.. ومالو؟ مصر مطبعة، والأردن تتعامل، وقطر تتاجر واشمعنا نحن؟
اشمعنا نحن هذه، هي التي تفتح لواحد مثل “كوهين صيدون” كان يخشى أن أمنعه من دخول حجرتي إذا عرفت أصله وفصله، لكن اليوم يؤمل في الانفراج.. فهل يقع ولو جزئياً.. ولو بالتدرج؟.. الإجابة مؤجلة!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية