رأي

يسألونك عن الخدمات وتصديرها

د. عزالدين إبراهيم

بالنسبة للكثيرين فالخدمات نشاط اقتصادي غير منتج يجب تحجيمه والتركيز على قطاعي الزراعة والصناعة اللذين غالباً ما يوصفا حصراً بأنهما القطاعان المنتجان وأحيانا يوصفان بأنهما قطاعا الاقتصاد الحقيقيان. هذه النظرة لقطاع الخدمات لها جذور في تاريخ الفكر الاقتصادي ولها مؤيدون في العصر الحديث في المدرسة الاشتراكية ولكن هذه المدرسة ضعفت بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية.أما في السودان فبالرغم من اعتقاد البعض بعدم إنتاجية قطاع الخدمات فقد دأب الجهاز المركزي للإحصاء منذ منتصف القرن الماضي على اعتبار الخدمات قطاعاً إنتاجياً له قيمة مضافة تسوغ ضمه إلى الناتج المحلي الإجمالي أسوة بالزراعة والصناعة وذلك وفقاً لما يمليه مرشد الأمم المتحدة للحسابات القومية.
تشير الإحصاءات خلال العقود الماضية إلى أن مساهمة قطاع الخدمات في الاقتصاد السوداني تأخذ اتجاهاً متصاعداً عاماً بعد آخر متخذة زخماً متسارعاً في السنوات الأخيرة، إذا بلغت مساهمة هذا القطاع في بدية القرن الحالي حوالي(45%) من الناتج المحلي الإجمالي ويتوقع أن تبلغ هذه المساهمة أقل من (60%) بنهاية العام الحالي 2020.وتتوقع موازنة الحكومة القومية أن تنخفض نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي(20%) وتبلغ مساهمة الزراعة التي تشمل الثروة الحيوانية في الناتج المحلي الإجمالي أيضاً حوالي(22%) مما يعنى أن الزراعة النباتية أصبحت مساهمتها تقل عن عشر الاقتصاد.
النمو في مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي لا يعنى أن القطاعات الاقتصادية الأخرى لا تنمو، إنما يعنى أن النمو في قطاع الخدمات أسرع من القطاعين الآخرين. وهذه ظاهرة توجد في معظم اقتصادات العالم لعوامل مشتركة وأخرى خاصة تمر بها اقتصادات البلدان المختلفة. ومن أهم الأسباب المشتركة بين الدول والتي أدت إلى تعاظم دور الخدمات في الاقتصاد ، الثورة التي حدثت في قطاع الاتصالات والمعلومات والتطور السريع فيهما. وتشمل الخدمات بجانب قطاع الاتصالات قطاع التجارة الذي يشكل المساهمة الأكبر في قطاع الخدمات أضف إلى ذلك قطاع النقل الذي زادت أهميته بعبور نفط دولة جنوب السودان، فضلاً عن الإقبال الكبير على التعليم والصحة والتطور الملحوظ في قطاعات السياحة ومراجعة الحسابات والبنوك والتأمين والأعمال الاستشارية الهندسية والاقتصادية وكل ما يتعلق بإعمال الحواسيب.
لقد اكتسبت الخدمات أهمية خاصة في التجارة الدولية كانعكاس لتعاظم الخدمات في اقتصاد الدول، فعلى سبيل المثال تبلغ مساهمة قطاع الخدمات في الولايات المتحدة حوالي(80%) من ناتجها المحلي الإجمالي وتقل النسبة قليلاً عن ذلك في البلدان الأخرى المتقدمة. ولأهمية الخدمات في التجارة الدولية تضمن النظام الأساسي لاتفاقية منظمة التجارة العالمية الاتفاقية الدولية لتجارة الخدمات التي لها أهمية مماثلة لاتفاقية الجات التي تنظم التجارة الدولية في السلع.وكما سبقت الإشارة ينتج الاقتصاد منتجين هما السلع والخدمات والسؤال الذي يثور هنا بأننا نصدر السلع بالوسائل المعروفة إلى المستوردين لها في الدول المختلفة، ولكن كيف نصدر الخدمات.وفي هذا الصدد تحدد الاتفاقية الدولية لتجارة الخدمات أربعة أنماط لتجارتها أهمها من حيث الاستخدام قدوم المستورد المستهلك للخدمة إلى البلد حيث تنتج الخدمة. وخير أمثلة لذلك توافد السياح إلى البلدان ذات الميزات السياحية وكذلك وفود الطلاب للدراسة في بعض الأقطار وسفر المرضى للبلدان المتطورة طبياً.والنمط الثاني لتجارة الخدمات هو هجرة العاملين إلى البلدان الأخرى لتقديم خدماتهم فيما يعرف بالاغتراب والذي أصبح من أهم موارد العملات الأجنبية للسودان. أما النمط الثالث فهو أن يأتي المصدر بنفسه إلى السودان ليقدم على سبيل المثال خدماته بفتح مستشفى أو معهد تدريب أو جامعة ويحول أرباحها إلى بلده. أما النمط الرابع فلقد ظهر وتعاظم حديثاً حيث يكون مقدم الخدمة مقيماً في بلده ومستهلك الخدمة أيضاً لا يفارق وطنه، وتتم الخدمة عن طريق الإنترنت ومثال ذلك التقديم عن بعد للعلاج والاستشارات مدفوعة الثمن.
وتظهر صادرات الخدمات في ميزان الخدمات والتحويلات الذي يشكل بجانب الميزان التجاري الخاص بالصادرات والواردات الميزان الجاري، الفرع الرئيسي لميزان المدفوعات الكلي. ويعاني ميزان الخدمات والتحويلات للسودان حالياً عجزاً يقل قليلاً عن الميزان التجاري ويرجع ذلك أساسا إلى الإنفاق الكبير على النقل البحري والسفر إلى الخارج. وخلاصة القول في هذا الأمر أن قطاع الخدمات قد نما نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة حتى شارف على ثلثي الاقتصاد ولكن لم تتم الاستفادة منه الفائدة التي تتناسب مع أهميته في الاقتصاد لاعتبارات تتعلق بسوء الفهم لما يمكن أن يقوم به قطاع الخدمات. وأهم ما يمكن أن يقوم به هذا القطاع المساهمة في تنويع الاقتصاد بجانب الزراعة والصناعة فهو الأقدر على توفير الوظائف للخريجين من الشباب وتنويع الدخول وتوفير الصادرات ذات القيمة العالية التي تساهم في تصحيح ميزان المدفوعات وتكوين احتياطيات من العملات الأجنبية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية