أكاد أجزم أن الذين دفعوا فاتورة هذه الثورة من الشرفاء الذين عارضوا الإنقاذ ودفعوا لنجاحها من حر مالهم ومن عزيز وغالي زمنهم وذابوا في كل تفاصيلها وصبوها بمعنى الكلمة مواقف ومبادئ وكانوا على استعداد أن يدفعوا أرواحهم رخيصة فداء لهذا الوطن كما فعل الشهداء الذين هم أكرم منا جميعاً، أكاد أجزم أن هؤلاء الآن يعضون بنان الحسرة والألم والوجع والغبن أكثر من الكيزان أنفسهم الذين أطاحت بهم ثورة ديسمبر لأنهم يشاهدون وبأم أعينهم كيف سُرقت ثورتهم عياناً بياناً، وكيف تحولت عن مسارها وأهدافها ونط في صفوفها الأولى من لا يقدرون المسؤولية ولا يتورعون أن يدخلوا بلادنا في نفق الأزمات ومغامرات الضياع والقفز بها للمجهول، والذين يحرضون الشباب صباح مساء على احتجاجات هم يعلمون سلفاً أنها ستخلق مواجهات حتمية مع الشرطة التي من صميم واجبها أن تحفظ الأمن والأمان، وكأنهم بذلك يضعون الذين بالقرب بالنار وهم يعلمون أن الحريق قادم.
أكاد أجزم أن الذين يصرون على إشعال الفتنة بين الشارع وقواته النظامية هم مجرد مراهقي سياسة لا يعرفون مصلحة البلد ولا يقدرون ماهي عليه من تحديات وامتحانات وابتلاءات لكنهم للأسف يستمتعون بممارسة لعبه خطرة ويضعون بلادنا في ملاهي السياسة لتركب لعبة قطر الموت من غير أن تضع حزام الأمان.
ودعوني أقول إن الاحتجاجات الشبابية التي شهدتها الخرطوم أمس هي محاولات بائسة وغير مسؤولة يريد بعضهم أن يثبت بها لنفسه أنه لازال يملك الشارع وأنه يستطيع أن يحركه وقتما يشاء وكيفما يشاء وأنه ممسك بخيوط اللعبة وهو بهذا يقود هذه البلاد إلى الموت البطئ ، كدي قولوا لي بالله عليكم هل أحد يصدق أن هناك بلاداً في العالم تحترم القوانين والمؤسسات يتدخل أحد في قرارات المؤسسات العسكرية أو يحتج على تعيين فلان أو فرتكان ناهيك أن يكون هذا العلان ضابطاً صغيراً في مدخل الخدمة، لكن تتعدد الأسباب والاحتجاج واحد، المهم في النهاية أن يصبح هذا هو الروتين والعادي وتتحول الفوضى إلى روتين حياة وكأن البلد ناقصة، حالها يقيف وتتعطل بشكل يدعو للحيرة وهي حيرة تتضاعف وتصبح في حجم الجبال عند قراءة مواقف بعض وزراء قحت الذين يلعبون بالحبال فلاهم قادرون يفكوا حبل الثورة ولا قادرين يفكوا حبل السلطة كما فعلت وزيرة الشباب والرياضة “ولاء البوشي” وهي تكتب على صفحتها في الفيسبوك (إن الثورة ستنتصر مهما تكالبت عليها الأيادي وأن المواكب هي روح الثورة ولجان المقاومة السند والأساس وما تعرضتم له اخوتي الأحبة لا مبرر لذلك ثم تمضي لتقول الثورة محروسة بكم أنا على عهدي معكم مهما تطلب ذلك من أمر وفداكم الروح) انتهي حديث الست الوزيرة الذي هو برائي مجرد حديث سوق لا يساوي اتنين تعريفة ولو كنت مكانها لقدمت استقالتي على الفور تضامنا مع الثوار إن كانت ترى أنهم كما قالت تعرضوا لعنف لا مبرر له حتى لا تصبح شريكة في الفعل اللهم إلا إن كانت ليست منتسبة لهذه الحكومة ولا تتحمل مسؤولية قراراتها وأفعالها، يعني الست الوزيرة شغالة بشريحتين شريحة وزيرة في مجلس الوزراء وثائرة في الشارع، وطبعا ده لم ولن يحدث في أي بلد في العالم إلا في بلادنا هذه التي نشهد فيها كل صباح عجيبة من العجائب والتي واحدة منها تدوينة وزير الشؤون الدينية والأوقاف “نصر الدين مفرح” الذي قال (إن التظاهر حق يكفله القانون والدستور سواء اتفقنا أو اختلفنا) ، ومضى الرجل ليقول (إن الأحداث المؤسفة لا ينبغي أن تعامل بالعنف وكان على القوات النظامية ضبط النفس والتعامل بالحكمة) ولم يخبرنا السيد الوزير عن ماهية المطالبات التي خرجت من أجلها هذه الاحتجاجات وهل هو موافق كرجل دولة على التدخل في شؤون القوات المسلحة وبرضو كما رصيفته اكتفى السيد الوزير بمغازلة الشارع من دون موقف تجاه ما أسماه التعامل العنيف مع الثوار ليتضح لنا بعد كل هذا أن الحالة السودانية سمك لبن تمر هندي وكان الله في عون هذا البلد الماعنده وجيع.
كلمة عزيزة
محاولات خلق عداء بين الشباب والقوات النظامية هي محاولات غبية ستخلق شرخاً كبيراً في هذا الوطن وهذه القوات مستحيل أن تبدو كما يحاول أن يصورها هؤلاء الأغبياء أنها خائنه أو متآمرة أو ضد مصلحة هذا الشعب لأنها من رحمه تتنفس هواءه وتشعر بوجعه ومنسوبوها ليسوا غرباء ولا لقطاء وهم أولاد الغبش طالعين من بيوت الطين ورواكيب البسطاء يعيشون المعاناة ويقاسموننا الأزمات.
كلمة أعز
اتقوا الله في هذا الوطن حتى لا نندم على وطن ضيعناه، اتقوا الله في ممتلكات البلد التي تخرب في كل احتجاج، وتصبح المدن كل صباح وكأنها خارجة من معركة حربية، اتقوا الله في شبابنا الذي تدفعونه للمواجهات وتملؤهن بالغبائن والأحقاد.