تقارير

الأزمة الاقتصادية.. تعكر صفو الود بين الحكومة وحاضنتها السياسية

بعد تكتم استمر لشهور

الخرطوم : الطيب محمد خير
خرجت الأطراف المُكوِّنة للحكومة الانتقالية على نحو مفاجئ بعد تكتم استمر لشهور، وهي تمسك بخناق بعضها وتتبادل الاتهامات فيما بينها، كل يحمل الآخر مسؤولية الفشل في التصدي للأزمة الاقتصادية التي ظلت معلقة على شماعة الدولة العميقة، تركة الخراب الثقيلة التي ورثتها الحكومة الانتقالية.
ويبدو واضحاً من الاتهامات التي وجهتها قوى الحرية والتغيير لوزير المالية، وكذا الاتهامات التي وجهها نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول “محمد حمدان دقلو (حميدتي)” لقوى الحرية والتغيير جميعها تكشف أن أساس الخلاف يكمن في تباين الرؤى حول معالجة جذور الأزمة الاقتصادية الممسكة بتلابيب الحكومة.
جاءت رؤية قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة بأن معالجة الأزمة بالاعتماد على الإمكانيات الداخلية للبلاد لسد عجز الموازنة، لكن اللافت هذه الرؤية أنها لا تمثل كل مكونات تحالف (قحت) وذلك واضح من موقف الحزب الشيوعي أحد مكونات قحت الجانح للتصعيد بدعوته في بيان له لتكوين جبهة وطنية لمقاومة رفع الدعم متهماً الحكومة بخرق اتفاقها معهم ، فيما اعتمدت رؤية وزارة المالية في معالجة الأزمة الاقتصادية وسد العجز في الموازنة ، على العون الخارجي مستهدية روشتة البنك الدولي التي بدأت في تطبيقها بطريقة ذكية بسحب الدعم تدريجياً من سلعة الوقود الذي بدأته بطرح البنزين التجاري، ويتوقع أن يسرى هذا النهج على بقية مشتقات الوقود ومن ثم بقية السلع وتحديداً دقيق الخبز، أما رؤية نائب رئيس المجلس السيادي “حميدتي” الذي أنزل الأزمة الاقتصادية وتوابعها من ضائقة معيشية وتضخم من على شماعة الدولة العميقة وحملها للحرية والتغيير، وقال هناك أصوات داخلها ظلت تشتم كل الدول التي ساعدتنا ليل نهار، وهي التي أوصلت البلاد للحالة التي تشهدها .
وتبدو رؤية الفريق “حميدتي” خلال حديثه لقناة “سودانية 24” الذي بالضرورة يمثل الشق العسكري أنهم يتوافقون مع وزارة المالية بالتعويل على العون الخارجي بالتركيز أكثر على عون الدول العربية (الإمارات والسعودية) بجانب قروض من البنك الدولي، لكن هذه الرؤية تواجه اعتراضاً كبيراً من قبل قوى الحرية والتغيير ، التي واضح أنها تقف على طرف نقيض مع المكون العسكري، رافضة أي حلول يقدمها أو مساعدات، وهذا ما قاله الفريق “حميدتي” صراحة “إن بعض قوى الحرية والتغيير ترفض المكون العسكري”، وأضاف :”نحن ممنوعين من مساعدة الشعب السوداني وما في زول بيقبل مننا مبادرة، نحن لو عايزين نقدم إلا من تحت التربيزة ونحن شركاء في التغيير”، وعلى صعيد رئاسة الجهاز التنفيذي يبدو رئيس الوزراء د.”حمدوك” غير مهتم بما يجرى من صراع متشابك الخطوط والمسارات بين حكومته وحاضنتها السياسية تمتد أذرعه لتشمل الشركاء العسكريين وتنكفئ الخلافات بصورة أشد داخل قوى الحرية والتغيير وهذا ما يظهره موقف الحزب الشيوعي، وكذلك لا يخفى مشهد تأثير حملات التشويه والاتهامات والصراعات الدائرة في دفع الفريق “حميدتي” للدعوة لعمل ميثاق شرف لحماية الفترة الانتقالية والممارسة الديمقراطية.
وأبدى عدد من قيادات قوى الحرية والتغيير، فضلوا عدم الإشارة إليهم، تخوفهم من أن تشكل هذه الخلافات والاتهامات المتبادلة التي برزت للعلن بين الأطراف المكون للشراكة في الحكومة الانتقالية بتحميل كل طرف مسؤولية الفشل في معالجة الأزمة الاقتصادية التي صعدت من نيران الغلاء، تخوفوا من أن تشكل خطوة تصعيدية خطيرة باتجاه عودة الخلافات التي سبقت توقيع الوثيقة الدستورية والرجوع إلى مربعها بصورة أعمق وأوسع تدخل البلاد في نفق وظروف صعبة للغاية ولم يستبعدوا أن تطيح بها ولاسيما ذات الأسباب التي أطاحت بالرئيس المعزول “عمر البشير” لا تزال موجودة (لا خطط حقيقية للتغلب على أزمة الخبز والوقود وتحالفات أصبح مشكوك في جديتها في حل القضايا ، ومشغولة بقضايا انصرافية).
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين “محمد حسن الساعوري” لـ(المجهر)، ما يحدث من تبادل للاتهامات يكشف بوضوح عن وجود فوضى سياسية وكل يعرض خارج دائرة الفعل ، ويؤكد أن التحالف المكون للحكومة ليس بينه أدنى درجة من التوافق ولا يوجد بينه وبين حكومته أي قاسم مشترك في القضايا سواء سياسية أو اقتصادية أو السياسة الخارجية، يعني تحالف عاجز أن يوجه حكومته وكأنه تحالف في بداياته، كل مكون يخفي نواياه ولا يعلن عنها ويسعى أن يكون هو الغالب والمسيطر، وبالتالي انكشفت الحكومة وأصبحت بدون سند من القوى السياسية ، وهناك فوضى واضحة في المساحة بوجود تحالف كون حكومة وليست له سلطة عليها ما يوجد الآن حكومة فاقدة للحاضنة السياسية التي توجهها .
وأضاف “الساعوري”: الآن رئيس الوزراء يتحرك كأنه وزير وليس قائداً للجهاز التنفيذي، وليس صاحب قرار لظنه أنه بدون صلاحيات، وقحت لن تسمح باتخاذ القرار المناسب، وهذا أفقد الحكومة التجانس بين أطرافها الآن “حمدوك” يعمل في اتجاه والمكون العسكري في اتجاه آخر دون أي تنسيق أو توافق .
وصف المحلل السياسي د.”عبداللطيف سعيد” الوضع بالخطير نتيجة عدم التجانس بين مكونات الحكومة. وقال لـ(المجهر) إن هذه الصراعات والاتهامات التي برزت للعلن قد تؤدي لمفاصلة حال استمرارها في هذا الجو المحتقن بالصراعات ، أن يتدارك الأمر بمعالجة جذرية لكل الخلافات التي تسبب فيها قيام هذه الحكومة على المحاصصة والترضيات والشلليات على ذات النسق الذي كان في النظام البائد، وأن استمر الأمر على هذا الوضع المختل سياسياً واقتصادياً فإن الشعب لن يصبر عليه .
وأشار “سعيد” لوجود مخاوف من تكرار تجربة “السيسي” في مصر حال استمرار هذه الضائقة الاقتصادية الضاغطة بما يجبر الشعب على التراجع لمربع القبول بخيار العسكر، وهذا وارد لأن المواطن لا يهمه أن تعتذر عن الفشل وتبرر لأن هذا يولد لديه الإحساس بانعدام هيبة السلطة في ظل التصريحات المتناقضة والتنافر بين المكونات الحاكمة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية