ربع مقال

حمدوك.. ماذا يفعل هذا الرجل؟!

د. خالد حسن لقمان

.. بالله عليكم ماذا تفهمون من ما صدر عن وزارة العدل بشأن إبرام اتفاق تسوية بين حكومة السودان وأسر وضحايا حادثة تفجير المدمرة الأمريكية (كول) التي تم تدميرها على سواحل البحر الأحمر في العام 2000م، وأعلن حينها تنظيم القاعدة بقيادة “أسامة بن لادن” تبنيها؟ .. بيان وزارة العدل يقول إن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود الحكومة الانتقالية لإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية الخاصة بالدول الراعية للإرهاب، وجاء في البيان أنه تم التأكيد صراحة في اتفاقية التسوية المبرمة على عدم مسئولية الحكومة عن هذه الحادثة أو أي حوادث أو أفعال إرهاب أخرى، وأنها دخلت هذه التسوية انطلاقاً من الحرص على تسوية مزاعم الاٍرهاب التاريخية التي خلفها النظام السابق، فقط بغرض استيفاء الشروط التي وضعتها الإدارة الأمريكية لحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من أجل تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وبقية دول العالم.. إذن هذا هو المنطق الذي أبرمت عليه حكومتنا أول أمس هذا الاتفاق، وهذه التسوية للإفلات من هذه القضية التي وصفها البيان بالتاريخية التي ليست للحكومة الحالية علاقة بها .. جميل هذا، ولكن لماذا لم تنتظر أطراف هذه التسوية ليتم توقيعها من داخل المحاكم الأمريكية التي وإلى هذه اللحظة وبعدها ماضية لا محالة في إجراءاتها القانونية وهي إجراءات تقاضٍ ستستمر حتماً من قبل القضاء الأمريكي، وأيضاً من قبل الضحايا وأسرهم الذين يمثلون أطرافاً مختلفة ومتباينة الأحوال؟.. هؤلاء لا يعنيهم مطلقاً من هو خصمهم الحكومي الجالس على سدة الحكم الآن، بل إن كل ما يهمهم دولة السودان المتهمة في القضية..!! .. إذن لماذا فصلت هذه التسوية عن مسار التقاضي الماضي حتى الآن في إجراءاته؟ . من يضمن أن تقف هذه الإجراءات بناءً على هذه التسوية؟ .. من يضمن أن يتخلى كل الضحايا وكل أسرهم عن حقوق ضحاياهم؟! .. من الواضح أن اتفاقية التسوية هذه لا علاقة لها بمسار التقاضي هذا، وإلا لكان قد أضيف بند واضح فيها يقضي بتنازل هؤلاء الضحايا وأسرهم عن حقوقهم في هذا التقاضي، بناءً على هذا الاتفاق الذي قضى بتسوية تدفعها حكومة السودان الحالية بقيمة (30) مليون دولار (بدلاً عن (314) مليون دولار يطالب بها الضحايا وأسرهم عبر مسار التقاضي في المحاكم الأمريكية )، وذلك حتى يتم إيقاف هذه الإجراءات القضائية وشطبها نهائياً لصالح الحكومة الحالية! .. ألا تعلم حكومتنا المبجلة التي انساقت وراء هذه الإجراءات الأخيرة أن للقضاء الأمريكي استقلاليته الكاملة وطرقه وأساليبه الخاصة في ملاحقة من يريد ملاحقتهم من دول وقادة العالم الثالث؟.. ألم يطّلع السيد رئيس الوزراء ومساعدوه على مسار المعركة القانونية التاريخية الطويلة والمرهقة بين القضاء الأمريكي والنظام الليبي السابق بقيادة الرئيس “القذافي” في قضية لوكربي الشهيرة؟ .. إذا لم يفعل السيد “حمدوك” هذا فعليه أن يراجع هذا الملف الذي هو وحده كفيل بأن يجعله يدرك خطورة الوضع الذي قد يترتب على إدخالنا في هذه التسوية التي نخشى أن تكون أشبه بالغربال الذي لا يمكننا أن نسد ثقوبه على كثرتها وتداخلها.. إذا كان السيد “حمدوك” يملك ضمانات تجاه هذا فليفصح عنها فوراً.. هذا من حقنا.. حق الشعب الذي وقع هذا الرجل باسمه هذه التسوية، وهو أيضاً الرجل الذي خاطب باسم هذا الشعب الأمم المتحدة لتأتي وتُمارس وصايتها عليه بعد (64) عاماً من استقلاله كدولة كاملة السيادة! .. أغرب ما في هذا كله أيها السادة أن هذا “الحمدوك” فعل ويفعل كل هذا وحده دون مجلس وزراء يقرر ما يفعله، ودون مجلس تشريعي يجيز ما يريده، بل حتى دون أي تفويض شرعي من الشعب السوداني الذي يعلم كل فرد فيه أنه فقط رئيس مجلس وزراء انتقالي لمرحلة استحقاق ديمقراطي تأتي بحكومة منتخبة منوط بها وحدها إصدار مثل هذه القرارات الكبيرة والمصيرية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية