أعتقد جازماً أن جميع الأحزاب السودانية ومن خلال تجربتها العملية في الحكم والمعارضة معاً، قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها متماثلة في (منهجها وطريقة تفكيرها وسلوكها) نحو بعضها البعض ونحو الوطن، سواء ظل هذا الحزب أو ذاك في الحكم أو انتقل منه إلى المعارضة، سواء كان حزباً يمينياً أو يسارياً أو تقليدياً طائفياً، قد تختلف نسبة الفعالية ولكن تظل هذه الأحزاب جميعها تمارس نفس السلوك، وبالتالي تتكرر نفس التجارب وتتحصل على نفس النتائج.
الغريب أنها تستنكر على بعضها البعض، ولكن لا تلوم نفسها على شيء، بل تعود وتكرر ما انتقدت الآخرين عليه، الهدف الأول الذي تبذل من أجله كل الطاقات هو استنزاف الآخر بمعارك سلمية أو حربية حتى يفشل ولا ينتج شيئاً، أدناه بعض الأمثلة لهذه الأفعال:
– الاستعانة بالجيش للوصول إلى سدة الحكم، عدد (3) انقلابات ناجحة ومؤيدة من جميع الأحزاب بلا استثناء، عدد (38) انقلاباً فاشلاً، عدد لا نهائي من الجيوش الحزبية وحركات التمرد، عدد (5) غزوات داخلية تمت بالاستعانة بدول من الخارج… الخ.
– جميع الأحزاب تتشدق بالديمقراطية وتطالب الآخر بها، ولكن لا تمارسها داخل أجهزتها، جميعها تعاني من مركزية القرار والمال لدى الزعيم: (الصادق وزوجته و3 من أبنائه أعضاء في المكتب القيادي)، “الميرغني، الترابي، البشير” (مسرح الرجل الواحد).
– جميع هذه الأحزاب مارست المكايدات الحزبية والإقصاء مما نتج عنه نسف الاستقرار السياسي والاقتصادي والإداري والأمني لجميع الحكومات، إما بالاستنزاف السلمي أو العسكري: (تغيير الحكومات والوزارات بمعدل 9 أشهر وأحياناً 5 أشهر، يتغير الوزراء بينما يظل الرئيس ثابتاً). اتفاق “الصادق” مع “نميري” وخيانته لرفقاء دربه 1977. عام 1958 التقاء السيدين من أجل إسقاط حكومة “عبد الله خليل”، عام 1966 إخلاء مقعد بالبرلمان حتى يتمكن “الصادق” من شغره ومن ثم إجبار “محمد أحمد محجوب” على الاستقالة حتى يتمكن “الصادق” من أن يصبح رئيساً للوزراء.
– تعديل الدستور من أجل البقاء في الحكم: عام 1965 تم تعديل الدستور من أجل توزيع السلطة بين “الأزهري” و”الصادق”.. (الصادق رئيس وزراء دائم والأزهري رئيس مجلس السيادة دائم بعد أن كان بالتناوب).
– الانشقاقات الحزبية: “الصادق” ضد عمه، مكايدات “الصادق” ضد “محمد أحمد محجوب”، انشقاق “معاوية سورج” حق (1)، حق (2).. انشقاق “الترابي” و”صادق عبد الله” وطني، شعبي، الإصلاح الآن… الخ.
– الاستعانة بالأجنبي ضد الحكومة الوطنية، والأمثلة كثيرة أقواها يوليو 76، معركة قوزدبنقو، معركة أبو كرشولا، معركة همشكوريب، احتلال حقول النفط في المجلد، غزوة الذراع الطويل، فتح “عبد الواحد” مكتب في إسرائيل، لقاء “الصديق المهدي” بالحكومة الإسرائيلية وطلبه منها مالاً لمواجهة تمويل الحزب الاتحادي من قبل “جمال عبد الناصر” ورقصة الصاغ “صلاح سالم”.
– التخابر مع الأجنبي ضد الوطن: تمت فبركة آلاف الملفات والمتاجرة بها في أروقة المخابرات العالمية والمنظمات الأجنبية ثم يتبوأ أبطالها أرفع المناصب دون أدنى إدانة، وأكبر مثال لذلك ضرب مصنع الشفاء بسبب تسريب معلومات مفبركة، هذه المرة كانت التصريحات علنية وعلى القنوات والصحف: تصريحات “مبارك الفاضل” و”الصادق المهدي” و”عبد الرحمن سعيد” و”التيجاني الطيّب”: (أضربوا المصانع الأخرى، الأدلة مؤكدة باستخدام منشآت في ظاهرها مدنية وحقيقتها تنتج سلاحاً كيماوياً يستخدمه النظام في الإبادة الجماعية وفي مساعدة الحركات الإرهابية العالمية).
– محاربة التمرد عندما يكون الحزب مشاركاً في الحكم، ثم الاتفاق مع نفس التمرد في الحرب ضد حكومة حزب آخر حين ينتقل ذلك الحزب من الحكومة إلى المعارضة، أوضح مثال: حرب الثلاث جبهات بطول (7) آلاف كلم.
– الصالح العام، لجان التطهير في عام 1964 وعام 1969 ومجزرة أساتذة جامعة الخرطوم 1972 (12 بروف، منهم عبد الله الطيّب، دفع الله الترابي، مدثر عبد الرحيم)، كنس آثار مايو 1985، التأميم ومصادرة الأموال الخاصة: (عدد 7 بنوك بها 40 فرعاً وعدد 4 شركات أجنبية، تم تأميم شركة كافوري ومصادرة 2 ألف بقرة فريزين، ثم جاء التمكين).
– تسليح القبائل لتقاتل لصالح الحكومة أو ضدها: (قرنق، الصادق، مبارك المهدي، سوار الدهب، خالد حسن عباس، فضل الله برمة ناصر، عباس مدني)، ثم “البشير” وما أدارك ما فعل.
– المجازر: مجزرة قصر الضيافة (30 ضابطاً أعزل كانوا يؤدون الخدمة العادية ولم يشتركوا في أي عمل ضد أي أحد). مجزرة الجزيرة أبا، مجزرة الضعين، مجزرة ود نوباوي، مجازر دارفور… الخ.
الخلاصة: لا يقوم تداول للسلطة إلا بالانتخابات التي لا تتم إلا بالأحزاب التي لا تقوى إلا بالقيادة والمال والشعبية، للأسف هذه المقومات لا توجد للقوى الشبابية الحديثة الثائرة، وهذا هو السبب الرئيسي الذي مزَّق مؤتمر الخريجين عام 1948، حيث تفرق أعضاؤه مضطرين بين الحزبين الطائفيين رغم عدم قناعتهم بذلك، لذا على الذين يرفعون شعار (الشباب هم أمل المستقبل)، عليهم إيجاد حلول لهذا التكرار، وعدم الاكتفاء بالأماني الطيبة.