رأي

فنجان الصباح

أحمد عبد الوهاب

أين هم في الزحام؟؟ ” إذا كان الناس عربات.. فالأستاذ “شدو” قاطرة ديزل”

هذه السطور مواصلة لمقال نُشر قبل يومين، تحت عنوان (أين هذه الكواكب.. في ضجيج المواكب)؟؟..
لقد سعد جيلي من شباب اﻻنتفاضة – سقيا لذياك الزمان- ببزوغ فجر جديد، وعهد سعيد أتاح الساحة لنجوم ثاقبة، كأنما جاءت من زمان آخر.. وكانت وقائع محاكمة (مدبري) انقلاب مايو 1969م ومحكمة (الفلاشا) فرصة لكي يتألق عتاة القانونيين، ما بين قضاء جالس، وآخر واقف.. وهكذا سعد جيلي بالأساتذة “محمود أبكم”، و”كمال الجزولي”، و”عبد العزيز شدو”، و”عبد الباسط سبدرات”.. وآخرين..
كانت الأجواء في غالبها معبأة ضد قادة مايو..كان الشيوعيون يملأون الدنيا صراخاً، مطالبين القاهرة بتسليم “نميري” لمحاكمته. وعندما عاد وزير الدفاع اللواء الركن “عثمان عبد الله” من القاهرة، التي ذهب اليها في زيارة رسمية، كانت أسئلة الصحفيين له تدور في موضوع “نميري”، ولماذا لم (تطالب النظام المصري بضرورة تسليمه) وكانت إجابته الذكية (لقد ذهبت للتباحث عن مواضيع تتعلق بأحياء .. وليس للبحث عن أموات)..هي جهيزة التي قطعت قول كل خطيب..
وفي خضم هذه الأجواء المحتقنة ضد (سدنة العهد المايوي البغيض) كما كانت تقول صحافة اﻻنتفاضة، قبل الأستاذ “شدو” و”سبدرات” مهمة الدفاع الصعبة عن مدبري انقلاب مايو.. قبل  “شدو” القاضي الشهير الذي (فصلته) مايو أن (يدافع) عن سدنة مايو ..في شجاعة نادرة.. وكان بقامته المديدة .. وسمته محط الأنظار.. وكانت نظراته و(نظارته) ذات العدستين تشبه (فكي) أسد، مع أسئلته الذكية، ترعب شهود اﻻتهام .. وصارت تحركاته والتفاتاته (رقصة) أخذت اسمها من حركته الذكية الماكرة.. وصار اسم شدو على كل لسان..
وأوغر الشيوعيون صدر الشارع الثائر .. فخرجت مظاهرة حاشدة كان هتافها الأشهر (مكتب شدو نحنا نهدو).. وعذرا لشارع غاضب.. ولكن لم يفُتُّ ذلك في عضده، ولم يثنه من أن يقوم بواجب يفرضه عليه القانون، وشرف المهنة..
ولما مثل المشير (سوار الذهب) رئيس المجلس العسكري اﻻنتقالي بنفسه أمام محكمة الفلاشا، أدى سيادته التحية العسكرية للمحكمة، وتعامل معه المحكمة بحب واحترام.. ولما جاء الدور على (هيئة الدفاع) وقف الأستاذ “شدو”، وارتجل خطبة عصماء، وقال (إن أصدق دليل على عظمة وديمقراطية هذا العهد، واحترامه للقضاء، وسيادة القانون أن يمثل رئيس الدولة بنفسه امام محكمتكم الموقرة، ويدلي بشهادته).. وختم حديثه بقوله: “سيدي القاضي (ﻻ أسئلة).. مدرسة في القانون، والذوق، والأدب، نهديها للجيل الصاعد ..
لقد وصل إعجاب الناس بـ”شدو وسبدرات” درجة كبيرة، حتى أن الأستاذ “عتيق” شاعر (الحقيبة) الكبير أهدى رباعياته للأستاذة “منى”، وهي إحدى جميلات الثمانينيات ..وحسانها الغيد. . يقول فيها:
الحب يا (مناي) في قلبي جزرو ومدو
علق قلبي فوق وهواي جاوز حدو
قاضي الغرام أمر بحبسو وجلدو
ما قابل التماس من “سبدرات” أو “شدو”
ومع الشاعر الدبلوماسي “الحردلو” نردد (أين هؤﻻء الرجال العظام.. في هذا الزحام) ؟؟؟..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية