واحدة من مشاكل بلادنا هذه أننا كثيراً ما نخطئ التقديرات، وغالباً إن لم يكن دائماً نضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب ونجوط الاختصاصات ونلخبط الكيمان، وده كله محصلته لخبطة على المستوى العام والأداء الكلي لمنظومة الحكومة، وأمس مثلاً، استوقفني تصريح لعضو مجلس السيادة، الأستاذ “محمد الفكي سليمان” عقب اجتماع للمجلس مع رئيس مجلس الوزراء “عبد الله حمدوك”، استوقفني التصريح الذي وكما جاء في البيان على لسان “الفكي” بصفته ناطقاً رسمياً لمجلس السيادة، وده معناه أن المقعد الذي ظلت تقاتل عليه قحت بشراسة، وكادت أن تدخل البلد بسببه في جحر ضب، يصبح كل مهام من يشغله أن يكون الناطق الرسمي وليست ملفات سيادية تستاهل القتال الذي قاتلته قحت، وهي وظيفة في واقع الأمر كان الأجدر والأحق بها السيد العميد “الطاهر أبو هاجة” مدير الإعلام بالمجلس، لأسباب كثيرة ومتعددة ومنطقية، أولها أن الرجل ظل ومنذ قيام الثورة هو مدير الإعلام العارف والمطلع على تفاصيل المطبخ الإعلامي الذي يخص المجلس، إضافة إلى أن الرجل مؤهل للقيام بأعباء الناطق الرسمي، وهو الوضع الطبيعي اللصيق بوضعه الوظيفي كمدير للإعلام، كما أن الرجل مهنياً هو الأنسب للموقع، صحيح هو يلبس البزة العسكرية، لكنه إعلامي مخضرم، تخرج في كلية الصحافة والإعلام وحاصل على درجة الدكتوراه، إضافة إلى أنه تلقى دورات تدريبية على حساب هذه البلد، وآن الأوان أن يبادلها العطاء ويتقدم إلى المنصب طالما أنه مؤهل وقادر ويستحق، لكن نحن في البلد دي تعودنا أن نشير إلى أضانا اليمين بيدنا الشمال، ونعشق اللف والدوران، ونتعمد أن نركن الكفاءات ونحصرها في أضيق نطاق، ونفرع الوظائف ونعمل ليها يدين وكرعين ونوكل للبعض مهاماً تشغلهم عن الدور الذي يفترض أن يؤدوه، وبالتالي نعطي العيش لغير خبازه، ونظل ندور في دائرة الفشل التي يتسبب فيها عدم الاختصاص، وهي مفاهيم كان ينبغي أن تعصف بها الثورة، لكن واضح أنه لا زال أمامنا طريق طويل لاستعدال الصور المقلوبة وللعمل بالمؤسسية والتراتيبية، والتداخل في الاختصاصات لا يولد إلا ضبابية الرؤية وضيق الأفق، ودعوني أقول إن كوتة المحاصصات هي دائماً السبب الأساسي في الهرجلة السياسية التي ظلت تعيشها بلادنا على طول العهود، ومن ثم إيجاد وظائف لا وجود لها إلا في دفتر المسميات، والوزارة الواحدة بها أكثر من وزير دولة، والمجالس والهيئات تخلق من العدم فقط لاستيعاب ذاك أو تلك، وكوتة من المستشارين وكوتة من المعتمدين وكوتة من الولاة وكوتة من الكوت حتى أصبحت الخزينة العامة عاجزة عن استيعاب حاجة هذه المسميات الوظيفية، والآن أرى للأسف (شجراً يسير)، وذات الممارسة تتكرر والتقيل قادم مع تشكيل الوزارات التي أخشى أن لا يتسع ماعونها للذين حزموا حقائبهم في انتظار أن يركبوا طائرة الوزارات الفخيمة، وبالتالي أخشى أن يكون كل الذي حدث هو تغيير وجوه بوجوه، وبدل ببدل وحالنا كحال الرماد الكان شالو ما بتشال وكان خلو سكن الدار، الله غالب.
} كلمة عزيزة
علينا أن نعترف بأن واحداً من مكتسبات هذه الثورة الحقيقية هو تكليف الدكتور “حمدوك” برئاسة مجلس الوزراء، وواضح أن الرجل سيدخل في حرب مع طواحين الهواء التي تريد إفشاله قبل أن يبدأ مشواره التاريخي، وسيحاول البعض جره إلى حلبة صراع الإشاعات وتزييف الحقائق، لأن هؤلاء يعلمون أن “حمدوك” هو رجل المرحلة بصفته إدارياً مخضرماً وزراعياً دارساً، إضافة إلى علاقاته الإقليمية والدولية التي ستمكن البلد من الانفتاح نحو الخارج، لذلك يحتاج للدعم والسند الشعبي ولصوت الشارع الذي يسكت المخرصين والمرجفين من الأدعياء سارقي الثورات الذين يجيدون التمثيل ولعب دور البطولة.
} كلمة أعز
أمس، أعلنت الجبهة الثورية عن توحيد لكافة فصائلها، نرجو وندعو الله أن تكون وحدة من أجل السلام والاستقرار، وليس أي خيار آخر.