سكرتير نادي كوبر . نزيل سجن كوبر
كان العميد (عمر حسن) .. وهكذا كانوا يعرفون “عمر البشير” في الأوساط العسكرية ، شخصية مؤدبة وعادية جداً..كان على وشك أن يصل سن الإحالة على المعاش .. بلا مستقبل أكثر من شيخوخة هادئة في بيت بالجريف شرق .. ووظيفة سكرتير نادي كوبر الرياضي .. وهو فريق الحي الذي سكنته أسرة “البشير” فترة من الزمن قبل الإنقاذ ..
حظوظ إنقاذية قادت العميد “عمر” لرئاسة مجلس قيادة الثورة .. والتي لم يكن حظه في انقلابها أكثر من تلاوة البيان الأول .. فقد أرادوه رئيساً مؤقتاً .. كحال سواق يعبر باللواري على كوبري كوستي القديم .. سواق مؤقت لمسافة مائتي متر فقط ..على جسر ضيق وخطير .. ومثل الجسر هذا كان الوضع الداخلي والخارجي للسودان..
كان لدى “البشير” جرأة وشجاعة ، وفي وجهه طيبة ، وظاهرياً كان يبدو زاهداً في السلطة ، ويقول إن السلطة في السودان (جنازة بحر) .. لم يحظ “البشير” بكاريزما ، ولا جاذبية شخصية ، كالتي عند عسكري كـ”النميري” ، أو مدني كـ”الترابي” .. وفي قرارة نفسه كان يعرف أنه قائد مؤقت .. مجرد سواق على كوبري كوستي القديم .. ولكنه بعد عبور الجسر ،غير (كلمة السر) وقرر أن يمضي لنهاية الشوط ، سابحاً عكس تيار خطير ، وشاقاً عصا الجماعة المقاتلة . وسط خصوم ألداء ، لا ينقصهم الذكاء ، والإرادة ، والحرص على الشهادة .. لكنه للأسف لم يستطع مغادرة (الوصف الوظيفي) الأول له..لم يستطع أبداً أن يصبح رجل دولة .. وانحصرت موهبته في المحافظة على الكرسي وبس ..فقط لا غير ..
رسموا له ابتداءً خارطة طريق لسودان موحد .. ودولة محترمة .. استخرجت النفط ، وأطلقت ثورة التعليم ، حررت الاقتصاد وهزمت التمرد .. وبنت الطرق والجسور والسدود ..
وبانفراده بالحكم أفسد كل شيء..دمر البلاد والاقتصاد ، وفصل الجنوب ..وأضاع الحلم السوداني بالنفط .. وترك بلده الرائد في صناعة الذهب ، ليستجدي حفنة من البترودولار ..
حاول أن يدرس كتاب (الدكتاتورية للمبتدئين) فوجد آن الأوان قد فات ..وأنه لم يبق في عمره وعمر الإنقاذ ، ما يكفي لبدايات جديدة .. ودقت المركب القيفة .. وسمع من سرير نومه الفاخر في قيادة الجيش ، أصوات الثوار تدعوه للرحيل .. وكان هو مُصراً على البقاء مهما كلف الثمن ..استجابة لرؤيا من فكي وفتوى من فقيه..
و لم يكن يدرك أنها المنايا الثورية..
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع ..