مجالس السودانيين تتحدث الآن بالصوت العالي عن النجومية الطاغية للقائد “حميدتي” في الساحة السياسية، فالواضح أن تحركات الرجل تتوكأ على اندفاع مشهود في كل الاتجاهات، فهو قد انسكب على نمط العاصفة القوية في غالبية مكونات المجتمع السوداني بأسلوبه التلقائي وإشاراته العفوية في دغدغة المشاعر وترطيب الأوجاع، فكانت لقاءاته المكثفة مع رجال الإدارة الأهلية وأعيان القبائل ورجال الطرق الصوفية والقوى الشعبية المختلفة.. ظل “حميدتي” يتحدث بلغة شفافة عن زهد المجلس العسكري في السلطة وعن تكوين حكومة تصريف أعمال وحكومة تكنوقراط علاوة على إرسال انتقادات واضحة في وجه قوى الحرية والتغيير.. بقدر ما للرجل أصدقاء ومعجبون، فالشاهد أنه له خصوم لا يرتاحون لدوره السياسي والعسكري.. كان “حميدتي” في مخيلة الكثيرين لغزاً محيراً، فقد لازمه انطباع هائل بأنه حامي الرئيس السابق “البشير” لكن سرعان ما هوى هذا الانطباع عندما انحاز للتغيير المناهض للإنقاذ، فصار عند الجمهور بطلاً قومياً ثم ما لبث أن داهمته الظنون مرة أخرى وإشارات الاستياء بعد حوادث فض الاعتصام وإشكاليات المتاريس والظهور الكثيف لقواته في الشارع العام، الشيء الذي دفعه إلى أن يدافع عن قوات الدعم السريع وسمعته السياسية بضراوة شديدة حتى ذكر قولته المشهورة بأنّ هنالك من يتربص بهم ويريد بأن يكونوا وجهاً للقباحة!! لقد حاز “حميدتي” على شهادة من “إبراهيم الشيخ” القيادي بحزب المؤتمر السوداني مفادها أنه رقم كبير في المعادلة السودانية، فضلاً عن شهادة أخرى من الإمام “الصادق المهدي” تتحدث عن دوره في المستقبل شريطة تركه البزّة العسكرية، فالمعمل الدقيق والميزان العادل الذي يفصل في هذا الحكم يتمثل في تبيان الفرق بين السياسي الظاهرة سريع الذوبان، والسياسي المحترف صاحب النفس الطويل والمقومات الثابتة.. فالسؤال المركزي هل تنطبق على “حميدتي” صفة السياسي الظاهرة أم العكس؟
وفي التعريف نجد أن السياسي الظاهرة لا يعمر كثيراً في خدمة التكاليف العامة، حيث أن أعمارهم قصيرة مثل عمر الفراشات والزهور، وكثيراً ما تكون في مرمى الزوال والنسيان لأن السياسي الظاهرة لا يرتكز على تجربة سياسية تراكمية طويلة ولا يحمل بين طياته مبادئ عامة، بل يكون مهموماً بالذات والمصالح الضيقة، تعجبه الأنوار الساطعة والمصابيح المتوهجة.. وأمامنا في الساحة الفريق “طه عثمان” المدير الأسبق لمكاتب الرئيس “البشير” وكيف أنه ذهب سريعاً بعد أن ملأ الأرض ضجيجاً وصخباً، فقد كان يحمل مقومات الرجل الظاهرة وبذات القدر توجد النجوم الظواهر في ساحة الرياضة والفن، حيث أن هؤلاء لا يعمرون كثيراً لعدم استيفائهم لشروط البقاء.. من الواضح أن القائد “حميدتي” أمام محك كبير وامتحان واضح المعالم للانطلاق في فضاءات السياسي المحترف الذي يحمل مقومات الثبات والصمود وقد تكون الإجابة المنطقية بعدم وجود الرجل في مربع السياسي الظاهرة.. أمام “حميدتي” مشوار طويل في كيفية مقابلة الهجوم الكثيف والملاحظات الكثيرة عليه باستخدام حبل المنطق والمحاججة.. فكيف يحدّد ملامح الأشياء الأخرى.. وكيف يقابل مطلوبات ما بعد الانتقالية.. فالسياسي الظاهرة يتعرّى سريعاً في المجتمع تتلقفه فراسة السودانيين وقدرتهم الفائقة على الفحص الصحيح!.