ربما يظن البعض أن حادثة القبض على الطائرة الهيلكوبتر التي تحمل ذهباً سودانياً إلى الخارج، هي أقصى ما يمكن أن نتوقعه من سرقات أو تجاوزات قد تحدث لمواردنا في مثل هذه الظروف العجيبة، التي تعيشها بلادنا، والواقع يقول: إن دولة بلا حكومة تسيرها وتضبط إيقاعها هي بلا شك دولة معرضة للنهب المصلح والمسلح، لاسيما أن كانت هذه الدولة لازالت كثير من مؤسساتها تقع فعلياً تحت سيطرة بقايا حُكم أدمن السرقة الممنهجة وسياسة التمكين التي نفذتها الإنقاذ طوال ثلاثين عاماً الماضية، وجعلت أمام كل مغارة جن مسلط يحرسها، وهو ما لم تستطع أن تصرفه هذه الثورة حتى الآن في ظل الجدل البيزنطي العقيم الذي يدور بين الأحزاب والمجلس العسكري الانتقالي، وهو لعمري اعتبره انتكاسة وفشل ليس له ما يبرره والحالة الثورية تتقبل أي حراك نحو الإصلاح مهما كان قاسياً أو صعباً، طالما أنه سيحقق للثورة والثوار مطالبهم، لذلك لابد من القول: إن بلادنا الآن تتعرض في ظل هذه الفوضى واللادولة لأكبر عمليات سرقة ونهب، ربما لا تكون مرئية الآن لكن ستتضح معالمها في القريب العاجل، وعندها يكون الفاس وقع في الراس، وعلى فكرة ليست السرقة وحدها هي التي ستكسر ظهر الثورة، ولكن بالتأكيد هناك محاولات جادة لإخفاء الحقائق والمستندات لكثير من التجاوزات التي حدثت في العديد من الوزارات والمؤسسات في المركز والولايات، وكلما طال أمد الفراغ التنفيذي والدستوري سيلف الضباب الكثير من الملفات وتضيع الحقائق ولن تستطيع الحكومة القادمة توجيه الاتهام لمتهم طالما أنه ليس هناك تهمة ولا دلائل ولا مستندات لذلك نجدد القول والنداء والرجاء للمجلس العسكري ولقوى الحُرية والتغيير، ولكل الأحزاب السودانية أن تتقي الله في هذا الشعب، وأن تتوافق على حل يفضي لتكوين حكومة تمضي بهذا البلد نحو إيجاد الحلول لمشاكله وأزماته المتعاقبة، بدلاً من انهاكه في جدل سياسي عقيم ومؤتمرات ومواكب لا تغير من الواقع المأزوم شيئا، بل وإصرار البعض على تقديم مزيد من مسرحيات الكوميديا السوداء على مسرح الأحداث، كما يفعل الوزير السابق “أبوقردة” والوزيرة “ميادة سوار الدهب” على إنشاء تحالف جديد للتفاوض مع المجلس العسكري، وهي محاولة بايخة لشق الصف، وخلق مزيد من الاحتقان السياسي في قوة عين عجيبة، وكلاهما ظلا مشاركين في النظام السابق، بل كلاهما من منظمي احتفال الساحة الخضراء الذي رقص فيه الرئيس السابق على الملأ، وبيوت السودان مفتوحة على مصراعيها تتلقى العزاء في شبابنا الذي حصده الرصاص والقمع والبمبان، لذلك على الثوار الذين يعتصمون الآن في القيادة العامة أن يرتبوا صفوفهم لفعل سياسي منظم وآلية يختارونها من (الصابنها) من يوم ٦أبريل للنقاش مباشرة مع المجلس العسكري بدون وسطاء، وعلى المجلس العسكري نفسه ورئيسه “البرهان” تحديداً أن يخرج من العزلة التي دخل فيها بلا سبب، ويكرر زيارته للميدان كما فعل أيام الثورة الأولى وليسمع من الشعب مباشرة، وليستفيد من التاريخ وواحدة من أخطاء الرئيس السابق، أنه ظل مفصولاً عن الواقع ولا يعرف الحقائق، لأن التقارير التي تصله مضروبة ومزيفة، لأنه واضح أننا بهذا الشكل ندخل على نفق مظلم يؤدي إلى دروب مختلفة لن تلتقي أبدا في خط سير واحد والنتيجة لهذا الاختلاف والخلاف نحصدها كل صباح، سرقة لخيرات بلادنا وإخفاءً للحقائق والدلائل والبراهين بل وصيدا لكل ماهو مطرف وبعيد عن القطيع والله غالب.
كلمة عزيزة
أمس لبيت دعوة إفطار أهم ما خرجت بها منها أنه ما ينبغي علينا أن نحكم على شخص من خلال رأي آخرين، ولا أن تحكم على فكرة إلا أن استمعت مباشرة لصاحبها، وإلا نكونً والعياذ بالله قد وقعنا في ظلم كبير لأشخاص لا يستحقون إلا التقدير والاحترام، ودعوة الإفطار التي جئت إليها متأخرة بسبب أسري، كانت في مسيد (شيخ الأمين) بأم درمان والرجل للأمانة لم التقيه وجهاً لوجه إلا البارحة، وكل ما جمعني به قروب واتساب نتناقش فيه نختلف ونتفق، لكن يجمعنا في النهاية الانتماء والعشق لهذا البلد، لكن الذي استطيع أن أقوله وهي شهادة يسألني الله عنها أن الرجل طيب النفس، يحمل كل نقاء وصفاء أهلنا الصوفية، متواضع إلى أبعد حد، متسامح ومبتسم رغم ما تعرض له من ظلم كبير من النظام السابق، إلا أن ذلك لم يقلل من رصيد المحبة والسلام الذي يحمله، ويكفي الرجل بعداً لنظره أنه أمن بطاقات الشباب واكتشف مساحات القوة والخير في دواخلهم، وأثبتت الأيام ذلك، وهم يمثلون وقود الثورة ونيرانها، في العموم خرجت من مسيد (شيخ الأمين) وأنا أشعر أنني كنت في بقعة تمثل السوداني الحقيقي محبة وتسامحاً وكرماً وجمالاً، تدين من غير تطرف وإيمان من غير إدعاء ووصاية على أحد.
كلمة أعز
اللهم احمِ بلادنا من الفتن وأجمع أهلها على كلمة سواء.