.. من أبرز السمات التي ارتبطت بنظام الإنقاذ الذي بدأ منذ فجر الجمعة 30 يونيو من العام 1989م وإلى أبريل 2019م (إن كان بالفعل قد انتهى) كان هو الغموض .. الغموض في كل شيء منذ لحظة الميلاد وتقسيم الأدوار و( اذهب أنت رئيساً وسأذهب أنا حبيساً) وإلى بقية المراحل المتتالية طوال الثلاثين عاماً الماضية و حتى أبريل الماضي ..!! .. وإن كانت مبررات ذلك الغموض منطقية في البدايات لما يدخل فيها من تاكتيك المواقف بحرجها ودقتها وسريتها لضمان تحقيق العبور إلى مرحلة الاستقرار الأمني والسياسي .. فإن استمرار هذه الحالة عقب ذلك بما أوسم كل المرحلة الثلاثينية الماضية بالغموض التام هو ما سبب حالة دائمة من القلق والتوتر و(الصداع الشديد) لكل من حاول قراءة ما يحدث أمامه، وإن كان هذا الأمر قد أفلح في تشكيل صورة ذهنية للنظام عظمت من قدره وضاعفت من مهابته وجعلت لما يطلق عليه الدولة العميقة حاضراً في أذهان الجميع حتى في هذه اللحظة بعد إعلان انهيار النظام .. ففي المقابل فقد أوجد هذا الغموض حالة من الاحتقان الذي ظل يزداد يوماً بعد يوم حتى تحول لغضب شديد انفجر على الوجه الذي حدث أخيراً، خاصة عبر الشباب الذين ظلوا بمنأى عن حركة الحكومة بكافة آلياتها التنفيذية والتشريعية، بل وحركتها الاجتماعية برمتها منعزلين بأنفسهم في مجتمعاتهم الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي وعلى وجه نموذجي أوجدت لهم انتماء لأفكار رافضة لواقعهم وصداقات تحقق لهم ذلك الرفض وتشكله مع شخصيات بعينها عادت من بعد لتنضم إلى واقعهم الحقيقي في ساحة اعتصامهم الآن، في صورة نادرة لمن أراد تقديم صورة هذا الارتباط ( بين المجتمع الافتراضي والواقع الحقيقي) في دراسة أكاديمية بحثية مجسمة لهذا التطور الإعلامي الجديد بوسائله الجديدة المدهشة المحققة للثورات على أرض الواقع وليس على أفق الخيال .. وهذا ما ظللنا نشير إليه عبر كتاباتنا الصحفية ودراساتنا الأكاديمية ولكن لا أذن تسمع لمن تنادي ولا عقل يعقل لمن تناجي .. وهو أمر آخر وإن لم ينفصل عن حديث الغموض الذي وللمفارقة لم (يسقط) مع سقوط أهل الغموض الذين عاشوا فينا ثلاثين عاماً لا نعرف من هم و كيف يفكرون وماذا يريدون لا لنا كشعب ولا للوطن كوطن ولا لأنفسهم حتى تهاوى عرشهم (إن كان قد تهاوى بالفعل)..!!.. ألم أقل لكم إننا لا زلنا نعيش غموض الإنقاذ ..؟ ..هل منكم من يفهم شيئاً فيما يدور الآن ..؟؟ .. كيف حدث هذا التغيير .. ومن أحدثه .. ولصالح من .. ومن يقوده الآن في الداخل .. هل للرموز القديمة دور فيما يحدث .. هل كانت هنالك بالفعل دولة عميقة .. أين عمقها هذا .. ماذا ترون فيه .. ثم وإلى أين نحن سائرون .. من هذا الذي يقودنا الآن ويخطط لنا ولمستقبل بلادنا .. من يفعل ذلك بالداخل ومن يفعله بالخارج ..؟ .. إنه الغموض (لم يسقط أبداً) ..اللهم وببركة هذا الشهر الفضيل أزل عنا كل هذا الغموض وأرنا الحق حقاً لنتبعه وأرنا الباطل باطلاً لنجتنبه، وجنبنا وبلادنا و بفضلك ورعايتك الفتن ما ظهر منها وما بطن.. وأقيموا صلاة الحاجة يرحمكم الله ..